15‏/01‏/2014

بوابات الجحيم.

أحياناً أتمنّى لو أستطيع أن أخرس، أن أتوقّف، أن آخذ استراحة... أو لو أنّني أستطيع مسكَ مزماري بيدٍ ثابتة لأعزف لهم الأناشيدَ المُكرّرة عن الوطنيّة، والقوميّة، والثورة، والطائفة الناجية، والنُّخبة المثقّفة، وعن الإرهاب، والخليج، والدكتور فيل، وبرنامج البرنامج، والسّلاح الثوري، ومؤخرة جينيفر دييز، وعطور شانيل، والجزيرة، والدنيا، وعن التكنيك الجنسي والـ"G"سبوت، وكيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس!!
كنتُ أتمنّى لو أفعل ذلك بيدي ثابتةُ على المزمار وشفاهي مطبِقةُ على قلبي، ولكنّي فقط لا أستطيع.

كنتُ أتمنّى حقّاً أن يقولَ أحدهم "أيّها الشعب السّوري العظيم" من المحسوبين على السلطة أو المعارضة دون أن أشعرَ بالدُّوار وبرغبةٍ ملحّة بصفعهِ على مؤخرة رأسهِ حتى يتعلّم أن يحترمني!! ثم أمشّط المعمورة في لحظتها وأصفعُ كل من سمحَ لهذا الأبله أن يستمرّ في الضحك عليّ والاستخفاف بذكائي الحاد! نعم... أليسوا هم أنفسهم الذين صفّفوا له عندما تفوّهَ بالهراء مرةً إثرَ مرّة وسمعوه؟ أليسَ منهم من يفرح كلما رآهُ يكذب على شاشة التلفاز، أو الكومبيوتر، أو شخصيّاً في الاجتماع الخريفي التأسيسي الأول (مثلاً)؟ فيبنون حياتهم على إيديولوجياتهِ الباهتة ويستمرّ بالبصاق بعدها عليهم وعليّ أنا أيضاً..!!!!

يقول "العظيم" هكذا دون انزعاج ولا إحراج ولا تفكير ولا شيء، والناس تصفّق وتقشعرّ أبدانها!!

"الشعب العظيم" و"الثورة العظيمة" و"الجيش العظيم (أو المغوار أو يمثّلني)" والقائد العظيم (أو الرّمز أو الخالد أو الأبدي أو المُفدّى)" و"الوطن العظيم" "والطائفة العظيمة (أو الكريمة أو الناجية)"!!!

كيف أستطيع أن أحملَ مزماري وأردّد؟ ها!! كيف لي أن أكتبُ بأصابع ثابتة مرتاحة؟ كيف لي أن أداوي هذا التشنّج الذي أصبحَ مزمناً كحبّي للرّسم؟ والحساسيّة التي أصبحت كلمةً بذيئة على لساني؟ كيف لي أن آخذَ مكاني المفروض في زمان الاصطفاف هذا لألعن إسرائيل والأسد وإيران وأميركا والغرب وآل سعود والاستبداد وأشعر بالرّضى بعدها بدقيقة، وكأنّ الأفكار هي سائلُ منويّ؟ وكأنّ التصفيق للخداع عادة سريّة!

أنا ببساطة -مرة أخرى- لا أستطيع.