23‏/06‏/2012

إلى حبيبتي


شفتاكِ العذبتان
قضمتا طرف إصبعي
ببعض الكلمات
فانتبهتُ أن الأسماك
في سلة القش قد عادت للحياة!!

لا يهمُّني صيدي بعد الآن ولكنْ
كلُّ ما يهمُّني
شاطئٌ حيٌّ
وسماءٌ مرصعّة
يفترشان الأرض بينَ قدَميّ!

أراكِ إذْ أتوقّفُ عن البحث
نوراً ناشفاً
أمسكهُ وأذرُّهُ كالبودرة
فوق براكين العالم، فتشتعل!

أصابعُكِ تسحبُ الشمس
وصدري يشعر بالمطر
وهو يتدفقُ داخلَ قلبي

19‏/06‏/2012

في الوطن والأوطان

حاولْ أن تبحثَ عن وطنٍ
حاولْ يا قلبُ ولا تيأسْ
والعنْ قافيةً فارغةً
سلبتكَ المعنى المنساب

الوطنُ الإنسانُ فسيحٌ
في شتّى أنحائهِ مأوى
قلبٌ خفاقٌ وسلامٌ
أن تعرفَ ذاتكَ أن تبحثْ
أن تعرفَ أنكَ فعّالٌ
في كونكَ وبأنكَ ترسم

من قالَ بأنكَ لا تعني
للكونِ النمّاءِ جذور؟
من قال بأنك لا تعني
للحقّ حروفٌ وسطور؟


حاول فالبحرُ يناديكْ
وقلوبُ الناسِ تناجيكْ
السّحرُ بكلِّ حديقتنا
والحبُّ رباطٌ يجمعنا
فلماذا يُستهزأُ فيك؟

            22-3-2006  

المساكين

مرّ طيرٌ  فوقَ المركب
فصرختِ الفتاةُ مرتعدةً، وهي تنظرُ إلى الخيال المارّ أمامها:
يا إلهي! إنه حبيبي
يا لشعره الأسود... وعينيه الداكنتين
يا لوسامته وقلبهِ الدافئ
ويا لَصَدرهِ الذي يحميني إذا اشتدّ الزّمان

سمعها أبوها
الجاهزُ أبداً
فرماها في البحر الهائج
وفي لحظة استنارةٍ نادرة
قضت العاهرةُ غرقاً

ومرّ الخيالُ على المركب
أمامَ الأب هذه المرّة
فعلت وجهَهُ علائم الخضوع والاستكانة
وراحَ يهلل:
لقد رأيتك يا إلهي
كانت الابتسامة تعلو وجهكَ وأنت تنظرُ إلي
كنت رافعاً يدكَ كأنما لتباركني
وأنا على يقين
بأني لم أقم بأكثر من واجبي تجاهك
وتجاه عبدتكَ العاصية... ابنتي

ولم يكدِ الرَّجلُ يكمل كلامه
حتى اصطدمَ طيرٌ بسارية المركب
في عتمة تلك الليلة
فوقع مجندلاً بدمائه ورمقُ الحياة ينسابُ منه بصخب
التقطهُ، وقطعَ رقبتهُ بيديه السّميكتين بسهولة
وهو متأكدٌ أنهُ يذبحُ طيراً وحسب..

وضاعت آخرُ النجوم في البحر الأصفر

            7-11-2005

18‏/06‏/2012

طفي التلفزيون وشغل عقلك



إنت يا مؤيد، يا ممانع، يا حامي الأوطان و يا موقف المدّ الأمريكي، وبالروح بالدم بدك تفدي الرئيس، وبولادك بدك تضحي ومبسوط بأصدقاء سوريا (على طريقتك) بلا علاك وسماع مني جوز هالكلام.


وإنت يا معارض، يا حر، يا بطل، يا ثائر يا تشيغيفارا زمانك ، يلي ممضيلي ياها الجيش الحر يحميني مبسوط بأصدقاء سوريا (على طريقتك) بلا علاك إنت الثاني وسماع مني جوز هالكلام.

يعني بالله عليك يا ولد... بعدك مصدّق ومتوقع إنن يحطولك الأخبار المهمّة ويلي بتأثر على حياتك على الصّفحات الأولى من الجرائد ويبثوها على الأخبار حتى لو كانت بتتعارض مع مصالحهم بس لأنن مهتمين فيك وبعيلتك وبالمصداقية يلي من غشمنتك بعدك مصدقا يا ذكي؟؟
معقول راسك لما تفكر إنو هالمحطات وممولينا كثير فرقان معن الحقيقة! لك ما خبروك إنو كل هي المحطات إلها مموّلين (أصحاب شركات نفط وغاز وتجارة وبنوك ومصانع وأسلحة والذي منو)؟ ما فكرت إنو كل الممولين إلهن أهداف، وإنو كل أهدافن ما إلا علاقة برفاهية عيشك يا بتقة زمانك أنت! (كليكما طبعاً).
إنو إنت شو يلي مطمنك لهالدرجة من نواياهن الحسنة وحرصن على نقل الأخبار الدقيقة ؟ لمنك هالك ربي وأنت ممضيلي النهار والليل على copy & paste ومبسوط بحالك على هالصفحات رايح جاي متل الحصان بالبيداء! وإنو حرّ و ثائر ما شالله عليك، يا أمل الثورة والثوار والممانعة والممانعين!

بدك تثور ثور وأنا شخصيا ثائر معك، بدك تمانع مانع وأنا شخصياً ممانع معك، بس بدك توعدني تعرف راسك من رجيلك. عريف إنو ثورتك وممانعتك بعكسن كلن وبتضرّ مصالحن بالتأكيد وما رح يغطو غير يلي بدن ياه، وما رح يوصلو غير يلي بدن ياه، وإنت مش مهم أبداً غير إنك سلبي وغبي وعم يتضحكو عليك لأنك صرت مضحكة! إنت وعيلتك ما بتعنيلهم شي أبداً لا من قريب ولا من بعيد. شايف كل هالزخم يلي عاجق حالك فيه؟ وسهران وبتروح ثاني يوم على الشغل وقد احمرت عيناك من الأرق ولم تعد تستطيع الرؤية يا عزيزي الثائر الموالي المعارض في سبيل الوطن؟ إي لأنك هبلة وبعدك عاقد العزم على إنو الشباب بالجزيرة وبالعربية مهنيين...وإنو الدنيا صوت الناس عنجد!! وممضيلي ياها أخبار ليل نهار واتجاه معاكس وما شابهه وعم يحقنو فيك ويحشرو هالغازات السامة براسك المسكر يلي رح يرجع يفجرك ويفجر الوطن يا أعظم وطني في عالم البوكيمونات...

كاسة شاي مع يلي ما بيشبهك، إي إي انتو التنين زورو بعضكن وبلا هبلنة واحكوا مع بعضكن... الحقيقة فيكن إنتو مش بالتلفزيون، الحقيقة فيكن إنتو لا بمجلس اسطنبول ولا الجيش الحر ولا بالجامعة العربية ولا ببشار الأسد ولا بالتفجيرات يلي عبتصير ولا بمجلس الشعب السوري ولا بكل هالبطيخ الممسمر كلياتو! إنتو الحقيقة، ومنشان ينالو منكن كان لا بد من تقسيمكن بمنهجية منشان تقتلو بعضكن بغباء منقطع النظير. أما إنو عازلي حالك بهالكفن وما عم تسمع غير يلي بيشبهك، ورفقاتك على الفيس بوك هني متلك من نفس الفريكوانسي تبع دماغك المحدود، ورفقاتك بالحياة عم يتناقصو يوم ورا يوم، وممضيلي ياها على التلفاز المعمول ليسرقك... إي بدك تسمحلي معناها قلك إنت مش ناضج يا عزيزي المثقف! إنت مش فاهم حاجة من حاجة على الإطلاق. ويلعن صوتك على صوتو كيف صايرين متل صوت التلفزيون يلي خرب روسيكن وحولكن لأدوات غبية لا تجيد سوى الترديد والنسخ واللصق.


لك هني ما بيخبروك غير الشغلات يلي بدن ياك تعرفها بس، لتظلك مبسوط وهالك ربي بالكوبي بيست تبعك وملتهي عن الأهم. أما الحقيقة يا حياتي فموضوع ثاني ووحياتي عنك ما بيخبروك ياها أبداً، لك حتى لو حاولت تعرفها ما رح يخلوك. خلص هني سامحينلك تشوف الأخبار وإنت يا شاطر نقي واختار، ولا تفكر أبداً هني بيفكرو قدك على ألف مرة، ليش لمنك تفكر وكل شي جاهز وكل شي مبين. 

إنت ولا مؤيد: مش مبارح قالولك بالدنيا تبعك إنو اجتمعو مدفيديف ورئيس الصين سوا وبدن يحلو الأزمة السورية ويضغطو على الأطراف الدولية يلي عم تغذي الإرهاب ويحلو الموضوع بشكل سلمي عن طريق مجلس الأمن ومدري شو من هالعلاك؟ طيب خلص مبينة.... يعني الأمور عبيحلوها الشباب، إنت ارتاح وحط رجليك بمي باردة وريحني من صوتك وإنت عم تعيدها ألف وخمسمية مرة بالدقيقة.

وإنت ولا معارض: مش من كم يوم طلع مسؤول سعودي هوي ورفقاتو من أصدقاء سوريا وقال كمان هني عبيدورو على حل وعبيسلحو المعارضة والجيش الحر منشان يصيرو قادرين إنو يدافعو عن المدنيين المعترين يلي بكوك دم؟ طيب شفت ما أحسنن يا أخي؟ خلص الأمور شغالة لمصلحتك كأنو... جيب لكن مي باردة ثاني وحط رجليك في لأنو ما بيسوا تحط رجيلك بلكن واحد إنت وموالي مجرم.... مش هيك علمو راسك يفكر بالقلب؟ عادي المهم. هلق كل منكمنا إذا مش مشارك مشاركلو بشي ست غروبات ومنشان تدعمو كل واحد منكن وجهة نظرو بيعمل شير للخبر (يعني كوبي بيست) وكتيب الله أكبر عم تنحل الأزمة ورح تنجح الثورة أو رح تسقط الفورة (حسب اتجاهك السياسي) ما إنت وااااعي كثير وصار إلك اتجاه سياسي. ما صدقت وصار عندك اتجاه يا بطل.

طفي الدنيا قناة النفاق، وطفي الجزيرة قناة الطائفية... وشغل راسك قناتك الخاصة أحسن ما تظلك مضحوك عليك وحياة اللذين آمنو!!

15‏/06‏/2012

جدي الأكبر والشاطئ البعيد...

سأحكي لكم قصّتي مع الوُصول
ومع جدّي الأكبر
الذي مات وتركَ لي ابريق فخارٍ ورحلة



مع أني كدتُ أطيرُ من الفرح عندما وجدتُ ذلكَ الشاطئ أخيراً
فقد انتابني شعورٌ مباغتٌ بالخيبة!!

أمضيتُ عمري أبحثُ عنهُ بلهفة
عيناي تسبقاني إلى كل حبّة ماءٍ أخرى
وقلبي يخفقُ كلما هبّ النسيم

أمزجُ ألواناً كثيرة

الكثير من الكستناء
وبضعُ شجيراتٍ وظل
الشمسُ الحارّة تنقي الجسدَ من الهموم
الموسيقى تتردّد في فضاء رحب
النيرانُ المشتعلة تعلو وتخبو كصوت
المحاربونَ وقد تعبت إنسانيتهم من الحروب وأنهكت قلوبَهم الغارات
يقتنعون بالحياة ويفتخرون بها
يجلسون لاحتساء قليلٍ من الكاكاو
وهم يقبلونَ نساءهم بشغف
في قلوبهم تتوهّج الحياة
ومن أعينهم يتدفقُ النور
نورٌ يستطيع مجابهةَ الظلم
بكل رأفة

فجأةً وصلتُ
هذا هو الشاطئ أذن
لطالما سمعتُ عنه في طفولتي وشبابي

ابتدأ الأمرُ بجدِّي الأكبر منذ آلاف السّنين
كان رجلاً تقياً لا يأكل إلا من حرث الأرض
وقبل أن يفارقَ الحياة أمام ثمانية من أبنائه الذكور
أمسكَ إبريق الفخار العتيق وشربَ منه جرعةُ من الماء البارد
وخاطبهم قائلاً:
"من أرادَ الوصولَ فليقصد الشاطئ البعيد"
ثمّ أردف:
"لا أمان إلا في الشاطئ البعيد"
ومات

من وقتها فهمَ أجدادي أنّ الوُصولَ ضروريّ في أية رحلة
بل إن الرّحلةَ تهدفُ أساساً إلى الوصول
كل واحدٌ من أجدادي بعدهُ قامَ برحلة البحث هذه
كلهم كتبوا عن هذا الشاطئ
كلهم أشادوا بهذا الشاطئ
كلهم دعوا أحفادهم للوصولِ إلى هذا الشاطئ
ولو كلفهم هذا عمراً كاملاً
وها أنذا اليوم... آخرُ الواصلين

على ضفافه توقفتُ لوهلة
شعرتُ بالمرارة في حلقي
ومن عينيّ تسرّبَ خيط من الملل
رأيت كيف يعيش الناس على الشاطئ بأمان واضح
ولكن البَريق لسبب ما لم يجد طريقهُ إلى أعينهم
كانَ الأبناء والبنات يلدون آبائهم وأمهاتهم
والأفكارُ نفسها تتكرّر بشكل رتيبٍ وكئيب
وفي مكان عالٍ استطعت أن أرى تمثالاً كبيراً لجدّي
اقتربت منه ونظرت لكلمات صغيرة منقوشة بعناية بماء الذهب
"لا أمان إلا في الشاطئ البعيد"

كانت هذه العبارة سببَ رحلتي إلى هنا ذات شتاء
وها أنذا وقد وصلت
فماذا عسايَ أفعلُ الآن؟
لقد بدأت أفتقد همّتي
أفتقد صوتي ودهشتي الدائمة
فليس هناك ما هو أكثر كآبةً من الوصول
عندما تغلق الباب على نفسك
ويصبحُ كلُّ شيء روتينياً وبليداً 

شعرتُ بالحنين إلى كل تلك الرّحلة التي قطعتها
شعرت بالحبّ تجاه كل الشواطئ الأخرى التي مررتُ بها
وقرأتُ فيها لافتات مختلفة
تشبهُ عبارة جدّي لدرجة التطابق
شعرتُ أن عليّ أن أستطعم ملحَ البحر في حلقي
ورملَ الصَّحراء على لساني
وحرارةَ الأسئلة اللاذعة في قلبي مرّة أخرى
فقرّرت أن أكمل الرحلة

لم يكن هذا مكتوباً في الكتب
ولم يذكر جدّي الأكبرشيئاً عما وراء الشاطئ البعيد
ولكن قلبي لم يتوقف عن الضّجيج في أذني
"الوصولُ جائزة الكسالى
والشواطئ للمتعبين"
فأدركتُ أنني أيضاً أفضّلُ الحياةَ على الرُّكون
والحريّة على الأمان
أريدُ رحلتي صاخبة مفتوحةً على الاحتمالات
ففي جسدي الكثير من الحرارة
وفي قلبي لا تخفتُ نارُ الحبّ

نظرتُ في عينيَّ
وكنتُ سعيداً
الإنهاكُ لن ينالَ منّي
وجسدي ينبض بعنفٍ بهذه الحياة
أتدفّقُ كماءٍ لا واديَ يحضنه
ولا أحتاج كتبي بعد اليوم
لا أحتاجُ أي قوانين وأيّ شرائع وأي شواطئ
لا أحتاجُ هذا الشاطئ ولا أي شاطئ آخر
ما أحتاجه طوعَ بناني الآن
أنا هكذا أستطيع الرّؤية بوضوح

من حينها وأنا مسافرٌ
أجتاز المسافات بغبطة
وأشعرُ بالحبِّ يقدحُ من عينيّ كل إنسان ألتقيه
وهكذا كان الوُصولَ وهمٌ آخر
نلجأ إليه عندما نعجزُ عن المتابعة خطوة أخرى باتجاه الحياة
وهذا القلب ينبضُ إذ نستمع له
ويخرس ويجفّ عندما نصيخ السّمعَ لكلّ الأصوات
ونتركهُ مجمّداً في هذا العالم
حيث يتراكضُ الكثير من الناس بعيداً
متمنّين الوصول

جدّي الأكبر مات
وتركَ لنا فكرتهُ عن الوصول
وإبريقاً رائعاً من الفخار

شيء واحدٌ آخر

رأيت أمّي تنظرُ إليّ وابتسامة ملائكية على وجهها الجميل
كانت توقدُ النار لتصنعَ لي زوّادة
أمّي التي تفهمني جيداُ وتستطيع سبرَ أفكاري
وقراءة صمتي
لم أرفض تلك الزوّادة من حبيبتي
فأنا أحتاجها كثيراً
وأحبُّ أن أشعرَ برائحةِ يديها في رغيفي المُقمّر
وليس عندي من مشكلة في أن أنتظرها ثمانينَ عاماً حتى تنتهي
لأني أشعر بالفرح والمعرفة يغمرا كياني

وأنتِ... ألن تنامي قليلاً؟
أرى على عينيك الإرهاقَ والقلق
عيناك حمراوان
وأنفك الصّغير أصفرٌ كالأبله.

الفانون

هنا والآن

بعدَ كلّ عُري
كانَ يبكي صدرَها الجميل
وبطنَها الذي يعلو ويهبط لاعناً ذلك الهدوء

لمسَ بقرارة نفسهِ أن السّماءَ قد لا تمطر كثيراً بعد هذه الليلة
وأنّ هذا الشتاء الجميل الذي وحّد جسديهما
قد لا يعودُ من جديد
فضمّ جسدَها النحيل
واستمعَ إلى قلبها
حتّى أحسّ بأنفاسها تلفحهُ عندما استيقظ

09‏/06‏/2012

بالعطف على "مصالحة السهل والجبل"

يتكرّر سيناريو المؤيّدين والمعارضين في سوريا آلاف المرّات في اليوم الواحد، ويروح ضحيّته الأبرياء والأغبياء على السّواء. مؤخراً تشهد دوما من جهة وصحنايا وأشرفيتها من جهة ثانية أحداث وتهديدات على خلفية قيام ما يسمّى بـ ((اللجان الشعبية)) في صحنايا بإطلاق الرّصاص على أحد شباب دوما المعارضين، ولم يتسنّ لي معرفة السّبب وراء هذه الجريمة، ولا الدافع لها، ولا الظروف المحيطة بها حتى، ولكني أشتم رائحة من يحاول فتح ملف مشابه لملف السّويداء ودرعا الذي كان على وشك النجاح لولا رحمة الله وحكمة شبابنا وشيوخنا من الطرفين.

المطلوب من أهلنا  في صحنايا، وأشرفية صحنايا، ودوما وجميع المناطق المشابهة على السّواء تفعيل مؤسّسات المجتمع المدني التي هي الضّامن الوحيد لدرء خطر السّياسيين الذين لا يهمّهم إيقاف مثل هذه الأحداث بقدر ما يهمّهم الاستفادة منها واستغلالها إعلامياً وأنا أتكلم عن السّياسيّين في الطرفين. والمطلوب أيضاً أن نرتقي بوعينا حتى نستيطع رؤية أمان جيراننا من أماننا، وسلامة أبنائهم من سلامة أبنائنا، وإلا فعلينا العوض!

سبب وجيه

عندما كنت صغيراً
كنت أريد أن أصبح جندياً
لأني سمعت أن الجندي يسهر على أمن الوطن
في حين كانت أمي لا تسمح لي بالسّهر بعد الثامنة

08‏/06‏/2012

في ذكرى إنسان


كانت الوجوه كالشمع
وكذلك كان وجهكِ
بسيطون نحن من رمادٍ وظلّ
من سماء شبه غائمة
وأحذية مسافرين تطأ الطرق الغريبة
من فتىً يستيقظ فجأةً
على صوت ريح تخترق الزجاجَ كالإسفلت فيبكي!!

أدرك أننا زوارٌ في هذه القرية
وأن هذا الطريق الذي يوحي بنهاية ما... مخادع
وأن شعرك الذي كان أحمر حينها وعلق بمخيلتي
ما زال ينبت كالجوز كل صباح
ياه لذلك الشعر الغجري!
لكم هو غبيٌّ من لا يؤمن بالله
فلو لم يكن الله موجوداً
من عساه ينسجُ هذه الغابة الملتهبة؟


واليوم وأحذيتنا تدوسُ الشمس
وجباهنا تنطحُ رحم الأم الأرض
وبطوننا يكاد يفزرها الاستهلاك
وعقولنا يكاد يقتلها الامتلاك
والمعرفة تنهش لحمَ آلهتنا المقدّد
والنجاح يحوّلنا إلى عبيد حقراء
والسياسة إلى حمقى
رؤوسنا تأخذُ شكلاً واحداً
غريباً، مربّعاً، مشوّهاً، ومليئاً بالأكاذيب

بسيطون نحن من رمادٍ وظل
فليأخذوا إعلامهم وأسواقهم وأموالهم وأديانهم وأوطانهم
فليأخذوا أوثانهم أحتاجُ قلبي دافئاً
ومرآة صغيرة تعكس وجهي
أحتاجُ جسدكِ الغضّ بدون تشوّهات
وروحكِ التائقة للحبّ بدون ندوب
إذ أمرُّ في شوراع حمص وبساتين درعا يوماً ما


اليوم إذ نتوقف عن الصّراخ إلا على جدران الفيسبوك
ونترفعُ عن الرّقص حول نار أنفسنا
لنركض بغباء ٍ حول نيران البنوك والحكومات
وهم يزرعون الحروب كما تزرعُ الحنطة
فنهرب بين التفجيرات والمجازر كعين زائغة
ونسلخُ عن الكون لحظةً أخرى
والبواريد تكسرُ أقلام الرّسامين والأطفال
والمجانيق الحديثة تدك المدن كاللعنة
والسكاكين تخفي ابتساماتٍ وخطابات كاذبة
للسّياسيين في كل المعسكرات البائسة

تبقى ذكرى عينيكِ
أشعة شمسٍ على قدمي المدمّاة تبعثٌ فيّ الحب
وبسمتك على فراش موتكِ المفاجئ
كتاب مقدّس لإلهةٍ تحتضر
وقلبي الذي ملّ من الترهات رسولك الحيّ


لن أنتظرَ الناس أكثر، لن أدعوَ اليومَ أحداً
فالحبّ لا يحتاجُ لمبشرين ودعاة
يحتاجُ فقط ذاك الذي يبحثٌ عنه ويستقبله بحفاوة
لن أقولَ هذا معي وهذا ضدي بعد اليوم
بل سأنتظر نفسي عند الشارع الأول
وأرحل من جديد إلى حيث ينتهي بي المطاف...

03‏/06‏/2012

اللحظة الحاضرة وصديقي رأفت.

كان صديقي رأفت قطيش يمشي بارتياح شديد عندما كنا نتحادث وندخن ونمشي البارحة وكانت بسمته لا تكاد تفارق وجهه وهذا شيء رائع. أما الموضوع الذي كان يشغلنا فكان "اللحظة الحاضرة" وهو الكلام الذي دفعني عندما عدت للبيت أن أفتح الـ Google وأضع فيه "اللحظة الحاضرة" فوجدت الكلام الذي أعجبني كثيراً ونشرته البارحة عن آيكهارت تول باسم (أفكارك ليست أنت).

مما ذكره رأفت في ذات اليوم أن معظم أفكارنا التي تشغلنا طيلة اليوم هي أفكار مكررة وأننا نقوم باجترارها في أدمغتنا لتصبح حواجز تفصلنا عن الوعي وهذا صحيح. فعندما يجبرنا التفكير على أن نعيش لحظات من الماضي مرات ومرات وأسئلة عن المستقبل مرات ومرات فإننا بذلك نضيع لحضتنا الحاضرة في حين كان أجدى وأكثر سعادة لو أننا نكتفي بأن نكون في هذه اللحظة وحسب مستمتعين بمرور اللحظات بيُسر!

يبدو أنه قد سنحت لي فرصة لرحلة أخرى غير متوقعة. رحلة للتخلص من التفكير الزائد واجترار الأخبار والأفكار التي تورث المرض والعزلة. أنا الآن إذ أكتب هذه الكلمات أعيش الواقع؛ واقع أنني سعيد بسماع ما سمعته من رأفت والأهم قدرتي على نسياته في هذه اللحظة والانتقال إلى الخطوة التالية بمرونة، لأعيش لحظتي القائمة والمستمرة الآن بينما أسمع صوت "ملحم" وهو يغني أغنية بذيئة جداً و"رزق" يسانده بصوت قرار، وأشعر بـ"ضياء" وهو يحاول التركيز في الأعمال الكثيرة التي عليه إنجازها خصوصاً إنني متوقف عن العمل منذ فترة. أسمع صوت الموسيقى المتدفقة من جهاز الكومبيوتر، وصوت قلبي وهو يخفق بفرح كعادته.

مصالحة السهل والجبل.

جزء من الاستقبال الحافل لوفد السويداء في بصرى الشام
في الأيام الأخيرة وفي ظل ترقب وخوف شديدين على إثر حوادث خطف بين حوران السّهل والجبل، كادت أن تكون سبب بإشعال فتنة قد لا تنتهي بانتهاء هذه الأسباب ورجوع المخطوفين من الجهتين إلى ذويهم. تأتي تطمينات يطلقها النشطاء والوجهاء من الجانبين بين الحين والآخر قائلين إن وحدة الجبل والسّهل لن تخترق مهما حاول المحاولون! ولكن تبزغ مع ذلك أسئلة جوهرية في ذات السّياق؛ فهل يمكن أن يكتب لهذه الوحدة أن تستمر وتنشأ، دون أن يُعمل على إنشائها واستمراريتها بجدية ووعي من الجهتين؟

بالطبع لا فالمتربصون بوحدة هذا الشعب كثر وهم لا يفتأوون محاولين فصم عرى الجيرة عن قصد وسبق إصرار، مانعين هذا النوع من العواطف الإنسانية من التدفق خارج معرفتهم وحدود قوانينهم المخفية في جواريرهم خدمةً لضرورات أساسية لتحكمهم وتسلطهم يرونها هنا وهناك، كما يفعل المسيطرون والمستغلون عادة. ضف على ذلك أن الكثير من الناس في السويداء خصوصاً ما زالوا ينظرون للأحداث الدامية التي ما زالت تحصل منذ أربعة عشر شهر على أنها مؤامرة عظيمة ليس المقصود منها هو النظام السّوري وحسب ولكن مقصود منها وحدة الأرض السورية، ومشروع سرقة وخيانة للبلاد والعباد تحت إمرة الناتو وإشراف قطر والسّعودية وتركيا وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك نراهم لا يفتئون يزمجرون مدافعين عن هذا النظام  بوجه كل من عاداه ظانين أنهم بذلك إنما يدفعون البلاء عن وطنهم سوريا الذي يعظمونه ويكرمونه ويهتمون حقاً لأمره كما تربوا دائماً. وعلى الطرف الآخر من النهر، نرى درعا وقد بلغت مبلغاً لا يمكن بعده الرّجوع ولا الاستسلام، ونرى الكثير من الناس فيها ينظرون إلى النظام ومن يعاونه ويقف معه كعدو حقيقي لسوريا خدمة لأجندات روسية إيرانية إسرائيلية أمريكية، فسوريا بلدهم هي البلد الذي يعظمونه ويكرمونه ويهتمون حقاً لأمره كما تربوا دائماً. أقول هذا لألفت النظر إلى مسألة في غاية الأهمية فالمعظلة الآن ليست بين وطني ولا وطني ولا بين كريم ولئيم ولا بين صادق ومتآمر ولا بين ثوري وحليف للنظام، ولا بين شجاع وقليل الشجاعة فكلنا نعلم مدى الشجاعة التي يتمتع بها أهل هذه المنطقة من جنوب سوريا سهلا وجبلا وكلنا نذكر القصص التي سطرها أجدادهم والشجاعة النادرة التي أبدوها في مقارعة الفرنسيين والعثمانيين من قبلهم، ولا أحد يستطيع أن ينكر كرامة وعزة نفس أبناء هذه المنطقة سهلا وجبلا. الفرق الجوهري هو الفرق بين إيديولجيتين سحبتا على الناس واكتسبتا أهمية لم يكن يجب أن تعطى في البدء وفي هذا ظلم كبير.

المعارض في درعا والمؤيد في السّويداء ليسا سوى شخصين من نفس البيئة الاجتماعية العزيزة النفس والكريمة الأخلاق والفقيرة الحال غالباً، والمنهكة، والتائقة إلى الحرية، وكلاهما كانتا مؤيدتان للنظام قبل اندلاع الأحداث الأخيرة وتقدم عوناً وسنداً للنظام كغيرهما من محافظات ومدن سوريا.  ولكن الإيديولجية التي ساهمت في زرعها وسائل الإعلام هي ما جعلتهما مستعدين لكسب عداوة بعض والخوف من بعض والتي تحولت أخيراً للخوف، والعزلة، وما تطور إليه الوضع من اختطاف متبادل، وقتل في بعض الحالات.

جانب من الاحتفال والهتاف (يا سويدا حنا معاكي للموت)
الآن وبعد مضي أربعة عشر شهراً على ثورة شعبنا بوجه الاستبداد والظلم والرؤساء الخالدين، وثورة شعبنا الآخر بوجه التدخل الأجنبي والطائفية والفتن والتسلح، صار لزاماً علينا أن ننظر بعين أخرى للأحداث على امتداد رقعة الوطن، وأن نرحم الناس وننقذهم مما تريد لهم الأجندات من كلا الجانبين أن ينفذ بهم ليصبحوا أدوات خامدة لا تعرف سوى الترديد الببغاوي لأفكار السوق المرسومة بدقة.

فعندما تم التجييش من قناة الدنيا والسّورية والاخبارية كان مقصوداً منه رصّ الصّفوف في وجه ما كان جليا أنه آت في قادم الأيام، وعندما تم التجييش من قناة الجزيرة والعربية خصوصاً كان مقصوداً منه رصّ الصّفوف في وجه ما كان جليا أنه آت في قادم الأيام!

هذا ليس غريبا ولا جديداً على عالم السياسة فهي طريقة الأنظمة وأعدائها في العمل وركوب الأمواج غير عابئين بهذه الشعوب التائقة للحرية والعيش الإنساني المنصف في كلا الجانبين. فمن وجهة نظر النظام كان التجييش ضروريا لاستلاب الجماهير وخلق مقاومة شعبية ضد التغيير، مهددة بالإرهاب التكفيري والطائفية والتقسيم والفتنة والمجازر (منذ الأيام الأولى للحراك في آذار 2011) وكان المقصود زرع الخوف وتصوير الحراك واختزاله في دولة قطر الطامحة إلى اكتساب بعض النفوذ والمملكة السّعودية التي تريد بيع بعض الأسلحة خدمة للعم سام وتركيا الراضخة تحت أحمال ووطأة الدرع الصاروخية الأمريكية على أراضيها وحكامها بالتزامن. محاولين بذلك وأعني قنوات النظام السوري تصوير الأمور وكأنها مؤامرة "كونية" على حد وصفهم على هذا النظام الوديع. لقد كان مقصوداً من خلال اسلوب مخاطبتها للمستمع "المرعوب بمنهجية" أن تحرف الأنظار عن قباحة النظام وفداحة تسلط أجهزته الأمنية وسخرية أن يكون الرئيس منتخباً للأبد في بلد يدّعى أنها جمهورية ويتبجح قائدها بأنه رئيس بلد الممانعة والمقاومة في حين كانت ترجمة هذا على أرض الواقع مزيداً من الممانعة والمقاومة والذبح ليحيلوا دون إعطاء الناس حقوقهم المشروعة في التعبير والتبديل والاستمرار والحياة شأنهم في هذا شأن أي مجتمع على وجه البسيطة. في دولة لم يستح أحد نواب برلمانها أن يقول صراحة لرئيسه (( قليلة عليك سوريا يا سيادة الرئيس، أنت يجب أن تحكم العالم))!! في حين كان أجدر بالبرلمان أن يتوقف عن التصفيق لدقيقة ويحاكم ويسمع ويرى الوضع الذي بدا واضحاً للعيان ولكل صحيح جنان أنه يشتد تأزماً يوماً بعد يوم.

أما تجييش الجزيرة والعربية ووصال ومن والاهم فهو تحريض طائفي مناطقي بشع، ويكثر فيه الكذب واللامصداقية، كان همهم بالإضافة إلى المحافظة على الحراك لأسباب سياسية بحتة (لا تتعلق أبداً بالناس وهموم الناس وتطور الناس ومزيد من الحريات) أن يتم تقسيم الناس وتعميق الهوة بين أطياف الشعب السوري الذي كان يعيش بتآخ قبل الأحداث ولكن ببوط عسكري على رأسه يثقل حركته ويشلّ وجوده وتعبيره. كان مقصوداً الذهاب إلى أبعد مدى وتفتيت بنية المجتمع السّوري كما حصل في العراق مسبقاً على أسس مذهبية ومناطقية وعرقية وإيديولوجية مستخدمين كلمات إكليشيهية "كشبيح" و"العصابة الأسدية" وهو ما سبقهم عليهم النظام عندما خاطب المعارضين بوصفهم مندسين وعراعير وأعداء البلد وأصدقاء الغرب الذي يمول تحركاتهم. والمقصود من هذا التقسيم وتعميق الخلاف هو عدم إتاحة الفرصة لأي مبادرة أو فكرة أن تنضج في ظروف موضوعية ليكتمل نموها الطبيعي، بل أتت لتفرض جواً خاصاً من الكره والحقد والخوف من العزلة وهو ما يبثّ عادة في المجتمعات ما قبل الحروب الأهلية كما حصل في إيران الخمسينات إبان ثورة الشاه، ولبنان السبعينات وعراق الألفين وأربعة وغيرهما.

هناك أكثر من طريقة لهزيمة دولة والسيطرة على مقدراتها. والشركات التي تدير هذه "الأسرة الدولية لا بارك الله فيها" على علم بهذا جيداً.
1 - فإما أن تفسد سياسييها فتتحكم بإقتصادها ومفاصل الحكم وصناعة القرار فيها  من خلالهم كما حصل في بنما بعد عمر توريخوس وفي إيران بعد الثورة الكاذبة التي صنعها السي آي إي واستلم على إثرها الشاه، وفي جامايكا التي انتهى بها المطاف وهي تدفع أكثر من نصف ميزانيتها سداداً للديون التي فرضت عليها من البنك الدولي.
2 - وإما أن تذهب بجيوشك وطائراتك وتقصف وتحتل ذلك البلد كما حصل في العراق ليبيا كحل أخير لإنقاذ خطة بلد قوي للاستيلاء على مقدرات شعب ما وامتصاص خيراتهم، ضف على ذلك صفقات الأسلحة المربحة، وصفقات إعادة  الإعمار وتحريك الشركات الكبرى وهذا أيضاً واضح جدأً في العراق (إكسون، هيلبرتون وغيرهما من الشركات العملاقة التي استفادت كثيرا من الحرب).
3 - وإما أن تستغل الأحداث وتنشر الخلافات مستغلا نقاط الضعف التي تجدها أوتصنعها، مثيرا القلاقل والجدل بين الناس والهدف الذي يتمحور حوله عملك هو تقسيمهم إلى مجموعات متناحرة. وذلك من خلال بثّ الكلمات الإكليشيهية الفضفاضة التي تضرب عميقاً في النفس الإنسانية وتضرب على أوتار الكرامة والأخلاق والعزة، وأعني كلمات على غرار "شبيح" و "مندس" و"وطني" و "خائن" في مواضيع تسيَّج بسيل من الكلمات والشعارات المتعلقة ب"الديمقراطية" و"الثورة" و"الحرية" مستخدماً هذه الكلمات الحقيقية والصادقة خدمة لمصلحة أكبر لا علاقة لها بالشارع ومطالب الشارع، ولكن بإيقاع الناس في فخ التقسيم. وهذا بالظبط ما حصل في لبنان السبعينات وعراق ما بعد الاحتلال وفي محاولة الإنقلاب التي دبرها دون أدنى شك عملاء الولايات المتحدة في فينزويلا عام 2001.

في الحالة الأخيرة لا تحتاج لتنشر جيوشك لأن الناس في الشوارع سيقومون بتنفيذ مهمتك بتكلفة أقل، اجعلهم ببساطة يقتلون بعضهم، ويحرقون بلدهم، لتأتي أنت في النهاية بعد أن يكون الكل قد أصبح خاسراً لتجد دولة مطواعة منهكة وتفتحها على الشركات الكبرى التي تغذي اقتصادات الدول الكبرى وشركاتها النهمة.

كل الكلام السّابق هو عديم الفائدة إذا نحن لم نضعه في السّياق الصّحيح لنفهم ما الذي يجري الآن، أنا لست خبيراً بالسّياسة ولا أعرف الكثير عن الثورات وتاريخها، كل ما أعرفه أن الناس تستحق عالماً أفضل ومن حقهم الطبيعي والمنطقي أن يبادروا بالثورة على كل ما من شأنه أن يحط من قدرهم ويقمع إرادتهم الخلاقة ويحولهم إلى مجتمع مستهلك، مستعبد، لا حول له ولا قوة، فقير، ضعيف، مسروق، فاسد، جاهل، في ظل أنظمة قوية مخابراتية تمرر القانون تلو القانون لتستقوي أكثر، وتتنمرد أكثر، وتقتل المجتمع المدني وتشله أكثر وأكثر. في أراضه الغنية التي لا يستفيد منها أبناؤها وهم أصحاب الأرض.  هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، لا بد من الانتباه لأصحاب المصالح والدول التي تتظاهر بدعمنا إذ نقوم بهذا ومن ثمّ تمنع الشيء عينه في دولة أخرى أو في دولها، كما يتم التعامل مع قضية البحرين مثلا. وسأستغني عن ضرب الأمثلة من أنظمة بعينها لأن الجميع بات يعرف الازدواجية التي يتمتع بها ما يسمى كذبا وعهرا بـ"الأسرة الدولي" والذي هو عبارة عن مجتمع من السياسيين المربوطين أبداً بحبل مصالحهم، والمقيدين دائما بسعيهم المشؤوم نحو مزيد من السيطرة والربح. شرقيهم وغربيهم، راسماليوهم وإشتراكيوهم.

النقطة المهمة الآن هي في إسقاط كل هذا على الواقع السّوري وعلى السّلم الأهلي المقصود من وراء هذه الدراسة المصغّرة. فعندما يحوَّلُ الناس إلى مجرّد أدوات لتمرير أفكار وإيديولجيات وإكليشيهيات نكون قد ألحقنا بهم ضرراً خطيراً سيؤدي بالضرورة إلى شلل العملية الاجتماعية، وتقزيم الفرد الإنسان وتحجيم قدراته ليتحول إلى بوق غبي يردد ما لا يعي ويزداد الوهم في رأسه الصغير على ضفتي النهر.

أفكارك ليست هي أنت …!


المعوق الأكبر والأخطر أمام التنوير الحقيقي هو أفكارك :

حسناً ولنبدأ من حيث يجب أن نبدأ هذه الرحلة ، بالتعرف على ماهية الاستنارة الحقيقية .
ماذا نعني بالاستنارة ؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال ، نستذكر موقفاً عرض لحكيمٍ من حكماء عصورٍ سلفت ، ولنستمع لها بلسان هذا الحكيم :
كان هناك شحاذٌ يستقر عند رصيفٍ من أرصفة شارعٍ في مدينةٍ كبيرة ، كان يجلس في ذات المكان منذ ثلاثين عاماً وقد فرش قبعته أمامه وجلس منتظراً إحسان المحسنين ، وكلما اقترب أحد المارة رجاه بضِعةٍ أن يعطف عليه بالقليل من النقود ، فأما يصد وأما يكرم بالتافه من العملة …!
- اقتربت منه فهتف بي : عملةٌ صغيرةٌ تسد رمقي يا سيدي …!!
- ليس لدي ما أنفحك إياه يا رجل لأني غريبٌ في هذه الأنحاء ولا أملك مالاً ( هتفت به ، ثم عقبت ) لكن ما هذا الذي تجلس عليه بربك …! ( وأشرت إلى صندوقٍ عتيقٍ كان الرجل يستقر عليه بجسمه النحيل ) …!
- ماذا … أي صندوق … ها… تعني هذا … لا شيء … ليس به شيء على الإطلاق ، إنه مجرد صندوق عتيق …!
- وهل نظرت إلى ما فيه ( هتفت به …)
- كلا… ولماذا يجب أن أنظر فيه وأنا أعلم إنه ليس فيه شيء …!
- ومن أين لك أن تعلم وأنت لم تنظر ، ألق نظرةٍ على داخله ، فقد يكون فيه شيء مفيدٌ لك …!
وفعل الرجل ، ولدهشته … كان الصندوق مملوءٍ بقطع نقد كثيرة .
تخيل ، عاش ثلاثون عاماً مع صندوقٍ مملوء بالذهب ، ومع ذلك فإنه لم يجرؤ يوماً على فتح الغطاء للتعرف على كل هذا الثراء الذي لديه …!
فماذا تتخيل أنت وأنا إننا يمكن أن نجد في دواخلنا ، لو إننا حاولنا مرّةٍ النظر إلى الداخل …!
حسناً سترّد علي بحنق ، ولكنني لست بشحاذٍ ولا أريد التفتيش في أوراقي القديمة كأي تاجرٍ مفلس .
لا يا صديقي ، بل نحن جميعاً شحاذون ، إن لم نكتشف ثراء الداخل ، وهو أسمى وأعظم من الثراء المادي إذ هو صفاءٌ روحيٌ خالص وسعادةٌ منقطعة النظير .
ربما تكون أنت وأنا والكثيرون منعمون بثراءٍ ماديٍ ورغدٍ في العيش ، ولكن لا شك إنك تفتقد الكثير ، بل الكثير جداً مما لا يمكن للثروة المادية أن تحققه .
أنت وأنا وكثيرون نبحث في الخارج عن الحب ، المتعة ، الرضا ، تأكيد الذات ، الشعور بالأمان .
ولكننا لا ننال هذا الذي نسعى إليه رغم ثرائنا المادي …!
لماذا …؟ لأننا نبحث في المكان الخطأ ، إذ إن هذا الذي نبحث عنه موجودٌ فينا … عندنا … في جوهرنا … وهو أكبر من كل ما يمكن لهذا العالم الخارجي أن يهبنا …!!
مفهوم الاستنارة الروحية ، قد بتوهمه البعض جملة تطبيقات لما هو فوق الطبيعي من أنشطةٍ تأمليةٍ تصوفيةٍ قاسية أو ما أشبه ، وهذا ليس صحيح وليس بالضروري على الإطلاق ، والمسألة أبسط بكثيرٍ مما تتصور .
إنها تعني ببساطة حالة من الشعور بالوحدة مع الكينونة ، أو بمعنى أدق وحدةٌ شعوريةٌ بأنك موجود ، أن تشعر ولا نقول تفكر ، بل تشعر بوجودك ، بثقل هذا الوجود ووزنه وأهميته …!
حالة الإحساس بالكينونة الذاتية يؤدي بدوره إلى الارتباط الوثيق بهذا الذي لا يمكن أن يُنال أو يرى أو يُلمس ، جوهرك الحقيقي ، خارج حدود أسمك ورسمك وهويتك الاجتماعية ووضعك الفيسيولوجي في هذا العالم الفيزيقي المادي .
وإذ نقول أن ترتبط بجوهرك الحقيقي ( الروحي ) فإنك بهذا ترتبط بالجوهر الكوني العام ، بجواهر المخلوقات والجمادات ، في آصرةٍ سريةٍ خفيةٍ لذيذة ، تهبك سعادة خالصة وقدرة فائقة على التأثير في الخارج وفي تغيير مسارات قدرك …!
هي ذات الحالة التي وصلها متصوفة الشرق أو الروحانيون في اليابان والصين والهند .
ما يعانيه إنساننا في العصر الحاضر ، هو شعورٌ بالانفصال عن الخارج ، بل حتى عن أقرب عناصر هذا الخارج ، أمك وأبيك وأبنائك وزوجتك وأقرب أصدقائك وجيرانك .
وهذا ما يؤدي إلى التعاسة نتيجة سوء الفهم وسوء الظن وتنامي الإحساس بالانفصال نتيجة الفروق في المعتقدات والميول والرغبات ، وبالتالي يتحول سوء الظن وسوء الفهم إلى الكراهية والاقتتال ، فيزداد الانفصال أكثر فأكثر ، ويزداد بالنتيجة الشعور بالكآبة والخوف والقلق و…و…الخ .
الانفصال عن الخارج أو الشعور بالانفصال عن الخارج ( والذي هو غالباً زائف، إذ هو مجرد وهم ) ، هو محصلة لانفصالك عن ذاتك الحقيقية ( جوهرك الروحي ) الداخلي السامي ، الذي هو أكبر من شكلك ووزنك وأسمك ونسبك وهويتك الاجتماعية ، وحيث تتعرف على تلك الذات تختفي المسافة بينك وبين الخارج ، وتراك منسجماً غاية الانسجام ومتمكناً من نيل كل ما تتوق له من ثمار التواصل الحُبي الشفيق مع عناصر هذا الخارج من أحياء وجمادات .
يقول عظيم الهند ( بوذا ) في تعريفه للاستنارة الروحية ، إنها ( نهاية المعاناة ) .
ليس في هذا القول ما هو فوق الإنساني ، ولكنه جوابٌ يبعث على القلق ، فماذا يتبقى حيث لا يبقى ألم ومعاناة .
هذا ما لا يجيبنا عليه ( بوذا ) ، ولكن صمته يقول إن علينا أن نبحث عن الجواب ، بل إن اعتماده لهذا التعريف السلبي ، يقصد منه أن لا نأخذ الجواب مأخذ الجدّ فنؤمن به أو أن نعتبره مفهومٌ ميتافيزيقي للتحرر الذاتي من الألم من خلال ما هو فوق إنساني ، وبالتالي وحيث نستكين لمثل هكذا إجابات نتكاسل عن الفعل التأملي الناشط للوصول إلى ما وصل إليه ( بوذا ) من استنارة .
قد يسألني سائل ، وما هو وجودي الحقيقي أو كينونتي الحقة التي أردتني أن أشعر بها وأمتلئ بها لكي ما يمكنني أن أشعر بالتواصل مع الجواهر الكونية فأتحاشى الانفصال الذي يسبب الألم بأنواعه المختلفة ؟
وجودك الحقّ ، هو ذلك الجوهر الوجودي الأزلي الحي خارج حدود كيانك الفسيولوجي وحجمك وشكلك ولونك وأسمك وجنسك .
كُل تلك التمظهرات الفكرية والفسيولوجية ، مجرد مادة للولادة ثم الموت ، أما الجوهر فهو ما لا يلد ولا يموت ، لأنه دائم الوجود دائم الكينونة …!
هذا الجوهر ، لا يوجد في الخارج حسب ، بل هو في الداخل ، فينا … في كل واحدٍ منّا ، وهو ما يجب أن نشعر به ونؤمن به ولا أقول نفكر فيه ، لأنه لا يمكن الوصول له بالتفكير العقلاني العادي ، بل يكفي أن نعيه ونشعره ونمتلئ به .
طيب كيف يمكن أن أتواصل مع هذا الجوهر العميق الأزلي إن لم أفكر به …؟
لا … لا يمكن أن تصل له عبر التفكير به بعقلك الذي هو نسيج كل الخيوط التي سقطت من مغزل المجتمع من ممارسات وأقوال وأفكار وأنماط سلوكٍ … نعني ما تلقيته في حياتك من معلميك وأبويك ومجتمعك وأصدقائك و…أعدائك ..!
كل هذه هي معارفٌ عمليةٌ مفيدة في الاستمرار بالعيش والنجاة من الموت الباكر أو الفقر أو السجن أو المرض ، أما التعرف على الجوهر الروحي فيتم عبر الخلود إلى السكون التام وهدهدة العقل وتنويمه لكي ما يمكن للوعي أن يلج المساحات الممنوعة على العقل الاجتماعي بوعيه العادي الواطئ التردد .
بالتأمل العميق والخلود إلى السكون الخالص ، يمكن لنا أن نتعرف على جوهرنا الذاتي الحقيقي الذي هو جزءٌ لا يتجزأ من الوحدة الكونية الجوهرية الشاملة التي تجمع كل العناصر في واحد .
لا تحاول أن تفهم وجودك لأن الفهم عملية عقلية لا يمكن أن تصل بك إلى شيء ، بل يكفيك أن تحسْ … تشعر بوجودك في لحظتك هذه وفي مكانك هذا …!
وتلك هي الاستنارة الحقة … أن تعي في لحظة سكونٍ خالصْ … هذه الكينونة التي تمتلكها في هذه اللحظة التي أنت فيها …!


***

قد يسأل سائلٌ ، وما الذي يعيق إمكانية نيل تلك الومضة البهية من الشعور بالجوهر الذاتي الذي هو جزءٌ من الوحدة الكونية ؟
بأن تتماهى مع عقلك ، وتؤمن أو تتصور أن وجودك يكمن في قدرتك على التفكير ، كما في القول الديكارتي المأثور والخاطئ تماماً الذي يقول " أنا أفكر إذن أنا موجود "…!
إننا وحيث نتوهم إن عقلنا هو دليل وجودنا وهو الحامل لكل الحلول لإشكاليات هذا الوجود المادي اليومي ، فإننا وبحكم العادة نستعمل عقولنا طوال الوقت في تيار لا ينقطع من الصور والأفكار والحلول والمقترحات والأحلام و…و…الخ .
عقولنا تشتغل طوال الوقت وبلا استراحة ، وهذا ما يفقدنا فرصة التعرف على جوهرنا الوجودي الحقيقي المضيء الذي لا يمكن أن يرى بعين العقل .
إننا نتوهم إن هذا هو الأمر الاعتيادي والذي يجب أن يكون ، وهذا تصورٌ خاطئ تماماً .
وللحديث بقية في أعدادٍ أخرى من هذا الموقع الرحب .



* ترجمه عن اللغة النرويجية
   كامل السعدون


* تأليف آيكارت تول ، وهو لم يكن قبل عشرون عاماً إلا رجلا محبطا مثقلاً بالهزيمة والكآبة.
فجأة ينهض في داخله ذات ليلة ، كائنٌ جديدْ يستحثه على البحث عن ضوءٍ في نفق الروح ، لا في الخارج ، بل في جوهر الذات . وإذ يتمعن الرجل ويستقصي ، يكتشف منابع قوته الروحية التي استحالت بعد بضعة أعوامٍ إلى قوةٍ وصفاءٍ شديدٍ أحال صاحبه إلى هذا المعلم الروحاني العميق التفكير الواعد بكنوزٍ روحيةٍ عظيمةٍ نكتشف بعضها في هذا الكتاب الرائع .
نشر الكتاب للمرة الأولى تحت عنوان The Power of Now : A Guide to Spiritual Enlightenment وذلك في عام 1997 وفي أرقى دور النشر في كندا ، وتكرر نشره مرّات عديدة في إنجلترا والولايات المتحدة وترجم إلى أغلب لغات العالم الحية ، ومنها اللغة النرويجية والتي عنها ترجم هذا الكتاب .