28‏/02‏/2012

إبقَ بعيداً

لا ينبغي لك أبدًا أن تظل هنا طويلاً. كُنْ من البُعد بحيث لا يقدرون أن يجدوك، لا يقدرون أن يدركوك ليشكِّلوك، يقولبوك. كُنْ بعيدًا جدًّا، كالجبال، كالهواء غير الملوث؛ كُنْ من البُعد بحيث لا يبقى لك أهلٌ ولا علاقاتٌ ولا عائلةٌ ولا وطن؛ كُنْ من البُعد بحيث لا تعرف حتى أنت أينك. لا تدعْهم يجدونك؛ لا تحتك بهم احتكاكًا لصيقًا جدًّا. ابْقَ بعيدًا حيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك؛ أبْق على مسافة لا يمكن عبورُها أبدًا؛ حافِظْ على ممرٍّ مفتوح دومًا لا يستطيع أحدٌ أن يأتي عبره. لا تغلقْ الباب – إذ لا باب أصلاً، بل ممرٌّ مفتوح لا نهاية له؛ إذا أغلقتَ أيَّ باب سيكونون قريبين جدًّا منك، وإذ ذاك فأنت ضائع. ابْقَ بعيدًا حيث لا تصلك أنفاسُهم – وأنفاسُهم تسافر بعيدًا جدًّا وعميقًا جدًّا؛ لا تدعْ عدواهم تصيبك، عدوى كلامهم، حركاتهم، معرفتهم العظيمة؛ عندهم معرفة عظيمة، لكنْ كُنْ بعيدًا جدًّا عنهم حيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك. ذلك أنهم ينتظرونك، عند كلِّ زاوية، في كلِّ بيت، ليشكِّلوك، يقولبوك، يقطِّعوك إربًا، ثم يعيدوا تجميعك
على صورتهم. آلهتُهم – الصغيرة والكبيرة – هي صورٌ عن أنفسهم، نَحَتَها ذهنُهم أو نحتتْها أيديهم. إنهما في انتظارك، رجل الدين والشيوعي، المؤمن والملحد، وكلاهما سيان: إنهما يظنان أنهما مختلفان، لكنهما ليسا كذلك، لأن كلاهما يغسل دماغك، حتى تصير منهم، حتى تكرِّر كلماتهم، حتى تتعبَّد لقدِّيسيهم، القدماء منهم والحديثين؛ عندهم جيوش تذود عن آلهتهم وعن أوطانهم، وهم خبراء في القتل. ابْقَ بعيدًا؛ لكنهما في انتظارك، المربِّي ورجل الأعمال: أحدهما يدرِّبك على تطويع الآخرين لمتطلبات مجتمعهم، وهو شيء مميت – عندهم شيء اسمه المجتمع والأسرة: هذان هما إلهاهم الحقيقيان، الشبكة التي ستقع في شِراكها. – سيجعلان منك عالِمًا، مهندسًا، خبيرًا في كلِّ شيء تقريبًا، من الطبخ إلى العَمار إلى الفلسفة. ابْقَ بعيدًا، بعيدًا جدًّا؛ إنهما في انتظارك، السياسي والمصلح: الأول يسحبك إلى الأسفل حتى البالوعة، وعندئذٍ يصلحك الثاني؛ إنهما يتلاعبان بالكلمات، ولسوف تتوه في قَفْرهما. ابْقَ بعيدًا؛ إنهما في انتظارك، الخبير في الله ورامي القنابل: الأول سوف يقنعك والآخر [يدلك] كيف تقتل – وما أكثر الطرق لإيجاد الله، وما أكثر طُرُق القتل، ما أكثرها! ولكن إلى جانب هؤلاء جميعًا، هناك جحافل من الآخرين لتلقينك ما تفعل وما لا تفعل؛ ابْقَ بعيدًا عنهم جميعًا، بعيدًا إلى حدِّ ألا تقدر أن تجد نفسك ولا أحدًا سواك. أنت أيضًا تود أن تلعب مع جميع هؤلاء الذين ينتظرونك، لكن اللعبة تصير حينذاك من التعقيد والتسلية بحيث تضيِّعك. لا ينبغي لك أن تظل هنا طويلاً؛ كُنْ من البُعد بحيث لا تقدر حتى أنت أن تجد نفسك.


كريشنا مورتي

26‏/02‏/2012

من يبني الجدار "2"

الحرية، الأحرار، الحرائر، المحرَّر، المتحرر.... منسمع كل هالكلمات يلي تحولت لكلمات للمزايدة والترديد الببغاوي ومننسى إنها مرتبطة بالإنسان وبالأخلاق مش بالسياسة أبداً!

اليوم عمنسمع أصوات بكل أصقاع العالم "الغربي" (بما إنو بما يسمى بالعالم العربي ما بتسمع غير أصوات الخيبة) عم تطالب بإلغاء القوانين تدريجيا من حياة المجتمعات! عبيقولو إنو القانون هوي شي بيأدي للتخلف لأنو ما بيقدم حل ولكن قاعدة والقواعد ما بتقدر تحمل المجتمع الإنساني للتطور... القوانين بعكس الحرية والحل مش بكثرتها أبداً! وفي مثال بيضربوه على الموضوع؛ قال بدل ما تقول الأرض زلقة انتبه عند القيادة، حط مادة على الطريق بيبطل زلق أبداًَ وهيك بتكون لغيت القانون. ومن الواضح أنو كل ما تقدم المجتمع كل ما قلت القوانين وتحولت الأنظار صوب المعالجة بدلا من العقاب والتشريع يلي بيخمد روح الإنسان وبيحولو لمكنة.

المجتمع الإنساني بيتغير دائماً وبينبلج بكل لحظة ولا يولد على حال معين ويثبت عنده
يعني لو أنا مثلا ولدت عند قبيلة "هنود أمريكان" كنت رح كون شب هندي معلق ريشة ملونة على راسي، وكان إسمي ممكن يكون "المتفائل خيراً بالطير الرمادي في السماء البعيدة" مثلا، كانت قيمي أكيد رح تكون مستمدة من هالمجتمع وأخلاقي هي أخلاق القبيلة. أما اليوم بعصر العولمة والتلفزة والأنترنت وكل هالتقدم التقني، بعالم قلت فيه المسافات بين الحضارات ولكن بشكل استلابي خلا الإنسان ينسي قيمتو ويبيع اخلاقو بالتدريج لصالح شركات كبيرة بتبث أفلام ومسلسلات وأغاني وبرامج هادفة ومقصودة لتدجين الناس، صار التكيف مع أنماط حياة غريبة ومريضة هوي شي مقبول وعادي وبتصفق له الأغلبية! ومتل ما قال كريشنا مورتي: إن التكيف مع مجتمع مريض ليس دليلا على الصحة بالمرة.
نظرة خاطفة على حياتنا والحقيقة المرة بتتجلى قدامنا؛ نحنا منلبس متل التفلزيون منفكر متل التلفزيون منربي ولادنا متل التلفزيون مننظر للجمال والحياة والحقيقة متل التلفزيون!  مين هوي هالأخو الشحطة التلفزيون ومين اللي قال إنو هوي صانع الحقيقة ونحنا المزيفين؟

عادي... نحنا ضيعنا حالنا بهالزحمة وتحولنا لناس مخدرة ما عندا تفكير نقدي ولا تحليل ولا بطيخ. وهالشي مش عن عبث، وما خلقنا هيك على فكرة... بس من لما كنا بالبيوت وبالمدارس والجامعات لحتى صرنا كبار وضحكو علينا المرة بعد الثانية قتلو فينا هذا النوع من التفكير بمنهجية ودقة! ومنشان هيك في كثير برامج "تسلية"بالتلفزيون، منشان إنت وولادك وإخوتك وخواتك معش تفكرو وتضرو بمصالح الناس يلي بأعلى الهرم يلي متحكمين بحياتكم. وإنتو... غفلانين ولا من يحزنون.

أول خطوة بطريق الحل إنو يدرك الإنسان إنو مهم وإلو قمية يدرك إنو هوي "إنسان" بكل معنى الكلمة وينزعج من التحكم وغسيل الأدمغة والعبودية يلي عبيصير ويحاول يفكر بالحل منشان ولادو ما يورثو الخـزي يلي هوي مضت حياتو وهوي عم يسبح فيه. لازم يعرف حجم التلاعب يلي عبيصير ويتحول من حالة المفعولية السلبية للفعل. ويدرك قديش إنو معني تماماً بملاحظة كل هالفساد، لأنو كل واحد هوي المعني الواحد عن تنظيف نفسيتو من آثار هالفشل المتراكم، كل إنسان ينظف المداخن تبعو. وينزعج ويرفض الموت البطيء المفروض عليه ويلي هوي بعكس قوانين الحياة والحرية.
الكون مبني على الحركة الدائمة والتغيير سنة هذا العالم ويلي بيوقف بوجهها بيكون عبيصارع الهوا، لأنو الأفكار الثابتة الصلبة أكيد غلط بعالم متغير ما فيك أبداً توقف عن الحركة وإلا بتكون مخدوع بقمامة المادية يلي ما بتسهم غير بتدهورك التلقائي.
لازم كمان يقرر الإنسان يعيد التركيز على الروابط مع نفسو ومع المجتمع بالتالي لأنو علاقة الإنسان مع نفسو بتنعكس كمان بالمجتمع
ويبلش يشوف ويبحث عن طرق فعالة للحياة والتواصل ويعمل دائماً وبكل ما أوتي من قوة إنو يفهم ويحلل ويناقش ويصر على مكانة الإنسان السامية وقميتو العظيمة، وعن هالشي بتتولد المسؤولية يلي رح تغير حياتنا بالتفصيل لنصير مجتمع إنساني حقيقي مش مجتمع ذئاب.

من يبني الجدار؟ "1"

اعترف بأن ديني في غاية السلمية وإلا سأقتلك
في شغلة لطالما لفتت نظري بالنسبة للدعوات الدينية والقومية والعرقية يلي رجعت للظهور بالفترة الأخيرة وأنا كنت متأمل خيراً بأنها بدأت بالخفوت بعدما وصل الناس لإدراك إنهم كلهم ضروريين لبعض، إنو وجودهم مرتبط ببعض، وإنو أساساً ما في طفل مسيحي أوطفل مسلم أو طفل شيوعي وأخر رأسمالي... كنت مفكر إنو الناس وصلو لإدراك حقيقة إنو الإنسان أسبق من الدين وإنو الدين هوي طريقة من طرق الإنسان لمعرفة الخالق وإنو القوانين هي محاولات لحل أشياء كانت مستعصية بفترة ما ويجب إنو يزول القانون بمجرد إيجاد الحل!!

كنت مفكر إنو الناس فهمانة إنو الإنسان ابن بيئته ومستعدة لتفهم موقف الهندي الأحمر يلي بيلبس مخالب نمر حول إيدو لأنو تعود وربي وتفهم مع الوقت إنو مخالب النمر بتجيب النصر وبتجنب الإنسان الأفاعي السامة، وإنو العربي بيلبس عين زرقة بنفس الأسلوب... إنو نحنا كلنا أولاد هذه البيئة وعبيد مجتمعنا بشكل كبير ولدرجة مفاجئة كمان!

 بس طلعت غلطان...

الناس بعدن متخلفين بكل المجتمعات الموجودة اليوم على سطح هذا الكوكب على الأقل الأكثرية الغبية الملطوعة قدام التلفزيونات والأخبار والبرامج الدينينة والخطب والوعظ والاتجاه المعاكس مثلا.

لك يا عمي...
الحياة أكبر من هالغرفة الصغيرة يلي محاصرين أنفسنا فيها 
والناس بنهاية المطاف هني ولاد المجتمع كيف ما تربيهن بيربوا
ومن الواضح إنو ربينا ولادنا على الكره والإنكار وساهمنا ببناء جدار صلب منشان نحاول نمنعهم من الحياة كما منعنا مجتمعنا يوماً
عم نحاول بكل الطرق إنو الولاد يطلعو نسخ عن بعضن، نسيانين حقيقة إنو المنتج الإنساني غير التونة والسردين وغير تماثيل الجفصين اللي بنحطها بالغرف الغبية تبعنا. شوهناهم نفسيا وروحيا على مراحل ابتداء من الأسرة مرورا بالمدرسة وليس انتهاء بالكتب المقدسة المختلفة.

على أي حال يلي عبيصير منطقي ونتيجة طبيعة للضخ الإعلامي المقصود من السياسيين  وأباطرة هالعالم يلي بيستخدمو الدين لمصالحهم وليمشو خططتهم يلي بتتطلب أول شي تعمية الناس وإبعادهم عن بعض.

ومن ناحية ثانية كمان لأنو ما عم تتم معالجة التطرف (يلي هوي مقصود ومغروس بالنظام غرس) ما عم تتم معالجتها بالشكل الاجتماعي المطلوب ولكن تقويتها عن طريق القبضة الأمنية والبوط العسكري. ومنشان هيك. بس يروح البوط العسكري بترجع بتتأجج من جديد بشكل أقوى لأنو نتيجة الكبت معروفة. بيولد حقد دفين بيتطور ليصير إرهاب مع الوقت!

الجزء الحلو من الموضوع إنو الأشياء الحقيقية فقط بتظل وبتستمر بالنهاية وكل الأشياء اللماعة والبراقة عن خواء رح تسقط بالتأكيد يعني متل ما منقول "بالآخر ما بيصح غير الصحيح"!

طبعاً يلي مسيطرين على هذا العالم بيهمن زرع الفرقة كلما سنحت الفرصة
ومش رح يخلو ولا مجتمع يهدا ويعيش بسلام طالما الطريقة الوحيدة للسيطرة على ثروات بلد ما هي إما السيطرة عن طريق الإحتلال أو الديكتاتوريات وإما السيطرة الإقتصادية وهي الأفضل من خلال إفساد الحكام أو الحرص على عدم بقاء النزهاء بالسلطة (مع شكي بوجود سياسيين نزهاء أصلا) يخلق التنازع وتبث المشاكل الطائفية وبالتالي بدل ما هني يبعثو جيوشن بيبعثو عملاء بشوية دولارات وبيسيطروا على البلد ببساطة وبتكاليف أقل بعد ما يكونو الناس تقاتلو وضعفو وتفككت المنطقة!


بالبصرة بعام 2005 ألقي القبض على اثنين بزي عربي يطلقون النار على المدنيين من سيارة عراقية
بعد التحقيق تبين إنو هؤلاء قاموا بعدة جرائم مشابهة كثيرة كانت تطال مرات الأحياء والمدن "السنية" وفي مرات أخرى مدن وأحياء "شيعية" وفي كل مرة كان العملاء يغيرون من ملابسهم ليظهر للرائي أن من يطلق النار هو "سني" أو "شيعي" بحسب الحي!! الأهم من هيك إنو لما رفضت السلطات بالبصرة أن تطلق سراح هذين العميلين على إثر رسالة من جهاز المخابرات البريطانية قامت دبابات وفرقة من الجنود بمداهمة السجن وأخرج العملاء بالقوة !!!

يحتلون العالم ويلتهمون الحقوق بشراهية
عادي... طول عمرن استعمار وفينا نتفهم سوء نواياهم. بس المشكلة بالناس المفككة ويلي بعدا عايشة بعام ألف وخشبة! يلي بيصدقو مثلا إنو الأعداء الحقيقيين لـ"السنة" هني "الشيعة" والعكس صحيح والمشكلة الأكبر إنو السلطات السياسية معاجبها هالتقسيم يلي بيخدم مصالحها بالسيطرة والأرباح والشركات وثالثة الأثافي إنو ما حدا مستعد يفكر بالموضوع بس ويحللو منطقياًَ!!

هي مش نظرية مؤامرة على فكرة، هي واقع نحنا عايشينو وذقنا مرارو بسنوات الضياع.


لك نحنا شعب؟ لا والله نحنا مجموعة قطعان غافة منقادة نفسياً لتصديق الترهات ومجهزة بقاعدة اجتماعية غبية مستلبة مشوهة نفسيا وروحيا وإنسانيا وتدعي الدين والتدين. 
كيف الحل؟

بالرغم من إنو كثير ناس بيتشبثو بفكرة إنو خلص فالج لا تعالج، وما بحلها غير شو طوفان يعم البشرية أو كوارث أو قيامة أو غيرو، إلا إني بشوف هالكلام مش أكثر من هروب غبي وقلة مسؤولية بشعبة لا تناسب الكائن الإنساني البالغ القوة والإبداع. لأنو يلي مخربين العالم ومسيطرين عليه باسم الدين أوالديقمراطية أوالشعارات الخاوية
هني بشر متلينا وهني أقنعو الناس إنو ما في حل وبالتالي ما عاد في حدا مقتنع إنو في يعمل شي لحتى صار التطرف يجري بشروش الصغار قبل الكبارويندفع عليه ملايين الدولارات ليستمر!


كلما ما ازددت أنت وعياً كلما أصبحت حياتي أيسر وأجمل وأفضل. وهالشي بينطبق على الدول والقوميات والطوائف والأعراق (طالما نحن مصرين على بناء الجدران الغبية) وبينطبق بين الأفراد كمان.

نشر الوعي هوي فضيلة لا يساويها فضيلة بهذا الزمان وكل زمان. الوعي إنو كل البشر بيستحقو الحياة الكريمة، وإنو الاختلافات يلي بينا هي ولا شي بالمقارنة مع التشابهات الكثيرة يلي بتميز جنس الإنسان.

أما بالنسبة للناس يلي بيحبو يحبطوك ويقولولك إنو يا أخي الموضوع أكبر مننا... بقلن أنا شخصياً ما بعرف لأي درجة ممكن ننجح؟؟ والتفكير بالمستقبل ما بيهمني أصلا وما حدا بيعرف وما في داعي لحدا يعرف شو بدو يصير بالمستقبل! المهم هوي الآن وهنا وبس

الشي الضروري الوحيد هوي التركيز والإصرار على إنو نحنا البشر منستحق مجتمعات أفضل.. بهذا الوقت. وإنو بيكفي يلعبو علينا باسم الدين مرة وبكلمات رنانة متل الحرية والديمقراطية مرة وبتظل الحقيقة الواضحة؛ إنو نحنا فقراء وهني غنايا. هني مسيطرين على كل شي ونحنا ما منسيطر غير عالريموت كونترول! هني إلن كل شي ونحنا إلنا ولا شي (ما عدا الأصبع الوسطى)!


هؤلاء الناس يريدون السيطرة على أبنائنا وثرواتنا كما فعلوا دوماً


 علينا أن لا نوافق مهما طال الزمان أو قصر في معركتنا الإنسانية ضدهم!

14‏/02‏/2012

من فم الحياة


تكلم يا بني... تكلم!
أنت فقط يمكن أن تكون محرراً لنفسك
فليس أقوى من القانون إلا الذي ينتهكه
تقدم ولا تخف من تلك الأشباح التي تضج بأمثالها الأساطير
فمنذ ولد النصر انحاز إلى جانب المحبين
وإلى يومنا هذا
لم يعرف سوى القلب الطليق محلا لإقامته.
أما تلك الأوهام التي يرتديها الأقوياء بالاستعارة
فستزول يوما
كما زالت دائماً عبر التاريخ الطويل

ممالك تقوم وتزول
حضارات تبنى ثم تنهد بعد فترة
قبور تتسع بعد كل حرب
والإنسانية تتناقص بعد كل غروب شمس
يبقى الحب ناظراً برأفة
مراقباً بعينين صامتتين
ذلك الصديق المسكين
نابضاً بكل حب بمعانيه الأزلية
فيبتسم ويباركه بسكينة

لأجل ذلك لا تخف يا بني
ما دمت بعيداً عن الكراهية كل ذنوبك عابرة
وستزول بلمح البصر
بعد نبضة حب أو خلجة قلب

تقدم يا صغيري
فأنت روح الكون الثائر
وقلبك الصغير بيت للرب
فلا تخف ...
لا تخف أبدأً

ستسقط أيها الواهم

لن أطيع أوامرك بعد الآن - برلين


الآن سأتكلم
رغم كل شيء سأتلكم
ولو مهما حاولت أن تخفت من صوتي
ولو مهما حاولت اغتيال مشاعري
سأضع رجلي في فمك النتن وأصفع وجهك الحقير
مرات ومرات حتى يشفى غليل أمي الأرض منك


*******

تنتظر مني أن أعيش عبداً لك
أن أمضي عمري كقط ورائك
ألتمس منك عظيمة أخرى تسد جوعي
أن أقضي حياتي خائفاً من لعنتك
مردداً شعاراتك
مصفقاً لهزائمك التي جعلتها انتصارات
راقصاً على أهازيجك الخالية من الروح
مندداً بالمؤامرات التي تحاك ضد سيادتك
راقصاً على فضائحك المبررة والمزينة دائماً
وجرائمك بحق الإنسانية التي يندى لها الجبين!

وها أنذا أرفض
أرفض الموت البطيء على أرصفة الذل
أرفض مدارسك التي علمتني بطولاتك وأخذت مني النور
ومدرسيك الذي حاولوا دائماً خطف الفرح من عيني
لتبقى الوحيد صاحب العيون البراقة في العالم
وأرادوا تحويلي إلى نسخة كربونية آخرة في مهب الاندثار
لتبقى الوحيد الذي يسيطر على حياة الناس جميعاً
أرفض جيوشك المكونة من المسوخ المسلوبي الإرادة
قطيع المواشي الذي حافظت عليه قطيعاً كلما أرادَ أحدهم أن يتحول إلى إنسان من جديد
أرفض إعلامك الذي يقلب الحقائق ويسقط الزعماء ويمحي خرائط العالم!
وأكثر مما أرفضك...
أرفض الجموع الغفيرة التي تهتز على أنغامك الخرقاء فاغرة فاها بحماقة

أرفض الطريقة التي قسمتني بها
إلى مؤيد لجلالتك ومعارض متآمر على الأمن والأوطان
إلى مؤمن بك وكافر مارق يستحق السجن والتعذيب والموت
إلى ذكي محبوب وغبي مكروه لا يفقه شيئاً
إلى ناجح فاحش الثراء وفقير يطعم أولاده التراب حتى يعيشوا يوماً آخر
إلى تاجر يسرق أموال الشعب تحت أنفك
وطوابير المرتجفين لملئ خمس ليترات من المازوت في فصل الشتاء
إلى سني وشيعي وعلوي ودرزي ومسيحي ويهودي وملحد وبعثي وجمهوري وديمقراطي
إلى لبناني وسوري وفرنسي وقطري وإيراني ومغربي وأمريكي وجنوب إفريقي
إلى أعلام عديدة وجيوش عديدة ومناطق عديدة وأديان عديدة
كلها تصب في مصلحتك
فقد حولتني إلى كائن مرعب يرتجف خوفاً كل ثانية
أحملق في المرآة وأرى ذلك المسخ مرة أخرى فيصيبني الذعر
ثم أمسح وجهي بطرف ثوبي
وأنا أعلم 
أنني أكبر من ذلك بكثير وأقدس... فأبتسم لك وأعرف أنني الأصل.


حينها فقط أدرك كم أنت سخيف ومهزوم وآيل للسقوط في أية لحظة
وأيقن أنك لن تفلح بقتل كلماتي بعد الآن ولن تسترجع مني الساحات
فبمقدار ما سأجوع كذلك سأصرخ
وبمقدار ما ستسد جوعي بيديك المدنستين كذلك سأصرخ


سأملأ الدنيا حبا لذاتي وللإنسانية ولهذا الوجود الجميل
وبذلك ستسقط أيها الواهم!


ألا ترَ إلى أي درجة أنت آلة غبية؟

أنسى ما أخبروك عن نفسك؟



بمقدورك الآن أن تسمع صوتي ينبح من جديد
أن ترى عينيّ الصافيتين كسماء إبريل
تتحولان إلى ثورة

بمقدروك من حيث تقف أن تسترق السمع والنظر أيضاً
سأناديك وستسمعني
سيظهر ذلك جلياً على محياك
وستخاف من نفسك كالعادة
ولسوف تقسم بأن لا تلجأ بعدها إلى المسافات

في كل مرة تحاول اللجوء إلى المسافات
قلبك الصغير الضال ينتفض
وعيناك تبرقان كما تبرق عينا مراهقة
لقد أوشكت أن ترى شيئاً جديداً
أوشكت أن تسمع الصارخ في أعماقك
ولكنك تخاف الخطو في غابات بكر
تخاف من نفسك كالعادة
وقلبك الصغير الضال ينتفض
وعيناك تبرقان
كما تبرق عينا مراهقة
 لقد أوشكت ترى شيئاً جديداً
وأنت تخاف من نفسك كالعادة!
تخاف مما أخبروك عن نفسك الضالة!!

عملياً، زرعت صحراءك لا جدوى
ماذا قد تنبت غير الخوف؟؟

بشاعة نسبية!


يتكلمون الآن عن الدخان الصاعد من الغابة
عن الأم التي وجدت مذبوحة بجانب طفلها
وعن لوحات صاخبة
رسمت بشراهة على صدرها الصغير العاري

ورغم ذلك
ما زالوا يقرأون الفاتحة على القتلة من بني جلدتهم
ممن ذهبوا وراء الجبال
وحرقوا الغابات بكائناتها هناك
وذبحوا النساء وبتروا أثداءهن أحياناً

وما زالوا يستمرون في الحديث
عن الدخان الصاعد من الغابة
عن الأم التي وجدت مذبوحة بجانب طفلها الصغير
وعن لوحات رسمت بشراهة
على صدرها الصغير العاري!

محترم ولكن...



محترم ولكن...

حماقاتك اللامنتهية هل ستخرج من دائرتها يوماً
أم أن زرقة عينيك الصغيرتين قد أغنتك عن التفكير في تلك السماء المحيطة بك من كل جانب؟

ما دمت تحسب أنك أفضل من المجرم المعلق هناك على المشنقة
إذن فانتظر عثرتك على الملأ يا عزيزي المحترم!

مع الوقت يتضح لي أنك تخاف من نفسك
من إخوانك وأخواتك من البشر أمثالك
إلى جانب الله والطبيعة والفقر والعار
إنك تخافهم بل تكرههم بشكل عام وبالتفصيل
وكل ما تفعله لا يعدو عن كونه محاولة يائسة للتقنع

والآن دعني أقول لك

أنت المجرم تجاه نفسك وتجاه الحياة
أنت ولا أحد سواك من يأسر نفسك
أنت من يعتقلها بالخضوع العمياوي لأي سلطة تطرأ
تحترم زعيمك وترفعه فوقك بغباء
أن من يقتلها بالكبت والاحتقار
وبانعدام الإيمان بالطاقة المنتجة فيها
فرجائي لك أن تكف عن محاولاتك الدائبة
بصبغ من هم حولك بألوانك البائسة تلك

لقد قدت نفسك إلى الهاوية أكثر من مرة
ومع ذلك ما زلت تدعي بأنك أفضل من يقود العربات في البلدة!
ولأن الأكثرية من أمثالك، فقد أصبحت شيخ البلدة فيما بعد.




أنت نفسك من جعل الناس عبر القرون الطويلة تتقاتل
أنت نفسك من تفنن في قتل الإنسان
فجمع الثروات وطور العلوم لهذا الغرض
وعلى عاتقك كل جرائم البشرية تقع

أنت من احتقر الإنسانية وأدان كل فعل قد يمت للإنسان
لا لشيء...
ولكن لأنها تسلط الضوء على عقدة نقصك التي لم تجد لها حلا
غربتك عن ذاتك
فترتمي في أحضان المصطلحات العقيمة
وتعيش اللاجدوى

أرأيت..
أنت محترم! ولكن.. 

مخلوق لعين واحد بملايين الأرجل


وأنت مشلول بالتفكير، جهالتك جميلة
والغباء الذي يغلي في عينيك... رائع حقاً

بالكاد أراك، بالكاد الكاد ألمسك
مع أننا في الأساس
مخلوق لعين واحد بملايين الأرجل

أبوك الجندي مهووس بالبندقية وقصص التاريخ
وأمك المتسلطةضحية دائمة!
وإنت أيها المسكين... 
مسافر دوماً كالضفادع من مستنقع إلى آخر
من مستنقع الأسرة
إلى مستنقع المدرسة
إلى مستنقع السياسة
إلى مستنقع الجهل والتلفاز والأنانية والجنس والعبودية!!
وكلما جف مستنقع أو أقنعتك الطبيعة بفراغه،
رحت تعمل جاهداً على صنع مستنقع جديد بكل ثقة
فقد ألفت عيناك الظلام، وضمرت عظلاتك عن السباحة

يبدو أن ركود المستنقعات قد خدعك
وأبعد  بصيرتكعن إدراك  الحقيقة الوحيدة الثابتة
حركة هذا الكون وصخبه وحرارته واتساعه

أنت يا من رأى غروباً صاخباً فبكى
وسمع آهات الناس من جميع أنحاء الكوكب المجنون
فنظر إلى كتابه المقدس واستنفرته "الحقائق"
ثمَّ ركن إلى أن التغيير برسم الآلهة والأنبياء وحسب
وليس في مقدور الإنسان أن يفعل شيئاً حيال ذلك!!
ومع أنك متأخرٌ دائم
ومع أنك منفعلٌ دائم
ومع أنك غائب دائم
وقلما بذرت حبة قمح في محيطك الهش
إلا إنك ترتكي على صخرة كبيرة
لتتكلم بزهو عن الحصاد الصحيح
وفوائد الإيمان الذي تمتلك مفاتيحه بيقين!

أمك خرقاء وأبوك أحمق، فما الضير في أنك تكون أرعناً؟
لن يسمع القضاة في عليائهم صوتك
لم يسمع القضاة أحداً من قبل
بل ستترك شاحباً كالأرض البور
بعيداً ونائياً  كالحنين


 ها هي ذي الشمس تغرب وأنت تقف مترنحا
أعرف أنّ جنونك القادم عويص
ونظرتك المشوّهة تحيل الأوهام إلى حقائق
فمنذ البداية والطريق واضحة المعالم
لم تكن أنت من أشعل النار...
ولكن تحتم عليك دفع الثمن
وإلى الآن لم أرَكَ تفعل شيئاً حيال ذلك!

27 كانون الأول 2007