01‏/08‏/2012

كيف رأوا الفيل؟


فيل على كرة
   
  هل على الإنسان أن يطوّر نفسَهُ لـ "يستوعبَ" اختلافات طبائع الناس وطرقِ تفهّمهم للأمور التي تبدو غاية في التناقض في بعض الآحيان؟ وما الفائدة التي قد يجنيها من ذلك؟ وكيف قد يؤثر هذا عليه، على نفسه وعقلهِ وروحه وعلى سلوكهِ اليوميّ؟


      أذكرُ منذ حوالي عشر سنوات أنني قرأتُ كتاباً كان عنوانهُ "بين الجوهر والمظهر" (علماً بأنَّ عنوانه الإنكليزي المترجم عنهُ عن الألمانية هو "To Have or To Be" والتي تعني بالعربيّة "أن نملك أو نكون" ولكن المترجمين العرب عادةً يعمدونَ لإقحام شيء مما تعوّدوه من التأليف). على كل كان الكتاب تحوّلاً مهماً في حياتي حيث وجدتُ فيه تلخيصاً مقنعاً لما كان يجول في ذهني في ذلك الوقت عن الحقيقة.

      على أي حال فإنّ العنوان واختلاف ترجمتهِ لم يؤثرا على أهميّة الكتاب. ونسينا أن نذكر أنهُ من تأليف "أريك فروم" بعد خبرة حوالي أربعين عاماً في أعمال التحليل النفسي والتعمّق في نفسيّاتِ عيّناتٍ من هذا الكائن الغريب، وإلقاء نظرة سريعة على المجتمع الغربي المُعاصر (آن ذاك) في آخر فصل من الكتاب.

       عندما تكلم عن اختلاف النّاس في طرائق فهمِهم للأمُور بحسب اختلاف الزوايا التي ينظرون منها والأفكار المُسبقة التي تؤثر على رؤيتهم للأموروطريقة عمل أدمغتهم بحرية، واستسهال إطلاق كلمة "حقائق" عليها، و"أكاذيب" أو "ظلالات" عمّا سواها من نتائج. يطرحُ مثالاً قديماً؛ أربعة متطوّعين يتم إدخالهم بالتوالي إلى غرفة مظلمة حيث يوضع فيلٌ ضخم. ويُطلبُ منهم وصفَ هذا الشيء كل على حدة، ودونَ أن يخبروهم بشيء عن طبيعة ما ينتظرهم في الغرفة ولم يسمح لهم بمشاركة ما يتوصلون إليه مع بعضهم أيضاً!

       "هذا الحيوان هو نوعٌ ما من أنواعِِ الأفاعي الكبيرة بالـتأكيد!" قال الأول بعد أن تحسّس خرطوم الفيل الضخم. "فهو طريّ، ممتدّ، ويتلوّى عندما يتم لمسه".  أمّا إجابة الشخص الثاني وكان قد تحسّسَ الاذن الكبيرة للفيل فكانت كالتالي: "إنّ هذا الحيوان هو حيوان بحريّ على الأرجح، فهوَيمتلك زعانفَ وأنياب كبيرة، إنهُ نوعٌ من السّمك الغريب" كانت إجابة الثاني. أما الثالث فقد رأى شيئاً مختلفاً، قال: "وجدتُ في الداخل شجرةً قاسية الجذع، إنها شجرةٌ بالتأكيد" وكان السّبب أنهُ وضعَ يدَهُُ على أحدِ أرجل الفيل الكبيرة الطويلة القاسية مما جعلهُ يعتقدُ ذلك. وقال الرابع بعد أن لمسَ بطن الفيل الكبير والممتلئ : "هذا حيوان كبيريشبه البرميل".


      بالرّغمِ من فضاعةِ هذه النتائج الفرديّة، وعدم إمكانية مطابقتها للواقع على ما يذكر المؤلف، إلا أن كلاً من هؤلاء المتطوعين الأربعة قد رأى حقيقة ما بحسب الزاوية التي ينظر منها. ولو قدّرَ لهم الاجتماعُ معاً لتبادل صِفات ما رأوه بموضوعيّة، لاستطاعوا أن يكوّنوا صورة أكثر مقاربة للحقيقة من الصّور الناقصة التي اكتفى كلّ منهم بالتقاطها من تجربته غير الكاملة، ولو سيطرت عليه التكبر والقصور والاستفراد بالرأي - وهذه الإضافة مني وليست من الكاتب - لتقاتلوا على مذبحِ حقيقة يعرفونها جميعاً ويجهلونها جميعاً بكل حماقة!!


ملاحظات: - القصة لم تؤخذ بحرفيتها من الكتاب.
              - يقال إن المتطوعين عميان في بعض الروايات.
              - هناك اختلافات أخرى في الرواية لكنها حافظت على نفس المعنى.
              - نحن واحد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق