29‏/07‏/2012

اقتل المارد... داخلك


         الحربُ لا توقفُ الحربَ، والبواريدُ والدباباتُ لا تحرّرُ الشعوبَ من الاستبداد. إنها تحرر البلد من الشعب أكثر، ويختنق المجتمع المدني الذي هو غاية كل تغيير أكثر، ويفرح البنكيون الدوليون أكثر. أليس جديراً هذا الشعب بأن لا يضحك عليه ويوهم بأن فيما يجري خلاص، ونحن نرى أن ما يجري قتل الروح التي يقتات عليها الإنسان (التواصل) وبدون وجودها لا يعود له معنى؟

         لقد وضعوا الناس أمام خيارين في غاية الصعوبة، الأول هو الحرب المسلحة على النظام ومن لف لفيفه وخشي سطوته من جهة، والثاني هو الحرب على المعارضة ومن لف لفيفها من جهة أخرى. ماذا تبقى من إنسانية؟ ومن حق ومن عدل ومن أخلاق فيما يجري؟ حري بالناس أن تفكر في هذا هذا الشرخ الذي سببه التجيش ولا شكراً للنظام ولا عفواً لمعارضة اسطنبول مرة أخرى، لقد ساهما من خلال تجييشهم واصطفافهم ومن خلال ما يتلقونهُ كلاهما من دعم خارجي وإقليمي من قسم الجسد السوري كل بحجة حمايته، بينما ما يجري في الحقيقة هو قتل الروح في الإنسان وتغليب مصالح البنكيين على مصالح الناس. لو أراد العالم لهذه الأزمة أن تُحل لكانت حلت فعلاً ولكن تتقاطع الكثير من المصالح على هذه الأرض وكان إحداث هذا الشرخ عملاً مهماً وإنجازاً يحسب لمبدّي المصالح على الإنسان. ولطالما فعلوا ذلك في كل بقاع الأرض. جمع الناس بالحوار وإعادة الرّوح إلى أبدانهم المتشنجة هو ما يجب مناقشته بجدية الآن لأننا على باب تغيير جغرافي وسياسي كبير وشامل للمنطقة وسيذهب أولادنا ضحية رخيصة في محراب أصحاب الشركات المنتفخون من الغنى والمرتدون لأغلى البدلات وأكثرها أناقة.

        من ناحيةٍ ثانية لا بدَّ من التَّركيز الشديد على أن هذا لا يعني أبداً موتَ الحراك لأن المجتمع يتغير والسّاقط يتساقط كورقة تين في خريف العمر. قلعُ الشجرة ليس اجتثاثاً للمرض ولكنه تحدّ لطبيعة الأشياء برأيي. والحق أنّ معركة منتصرة تخوضها "المعارضة" بالأسلحة ضدّ "النظام" ومن يمثله النظام ما يزال وهم ليسوا قلائل، لن يكون نصراً للثورة بقدرِ ما سيكون انتصاراً لمنطق القوة، أما الحديثًُ عن نصر النظام فهو غير وارد أيضاً لأنه حتى لو استطاع إسكات الجيوش أو العصابات المسلحة التي يقاتلها على امتداد الداخل السّوري، فإنهُ لن يُسكتَ المجتمع المدني الذي وصلَ البلُّ إلى ذقنهِ وبات يستشعر ضرورة الإصلاح الجذري، وقد أصبحَ هذا الإصلاح عند الكثرة من السوريين ليس أقلّ من بناءِِ صرحٍ جديدٍ.

         كلّ رهانات الدُّول والأحلاف والسّياسيين تسقط أمامَ المجتمعات البشرية عندَ رغبتها في التغيير، إذا كان هذا التغيير متناغماً مع حركة العالم وحقيقياً نابعاً من تجربة. وستجدُ الدُّولُ أنفسها أمام شعوبها الثائرة باضطراد على كل هذه السّياسات المعتمِدة على الهيمنة والقوة العسكرية والمخابراتية والاستهلاك والعبودية، والتي صنعت الكثير من الأخطاء التي لا بدّ لتجريب غيرها حتى ولو احتمل الخطأ أيضاً. 

        تستطيع المشكلة الحالية التي تواجه الثورة إرغام الناس على الخيارات الصَّعبة والغير محسوبة، كالارتماء في أحضان "المجتمع" الدولي وقد حصل هذا بالفعل، ولكن ذلك لن يعني سوى مزيداً من البؤس، والخوف، والتخبّط، والفقر، والسّرقات والنزاعات، وسيعني أيضاً أن الشعب السّوري سيدمِّر نفسَهُ أكثر وأكثر وأكثر، نفسيّا ومعنويّاً وأخلاقيا ً وهوَ الأهم وسيصبحُ إيجادُ الحلّ الجامع أكثر صعوبةً وضربٌُ من المجازفة الغير محسوبة، وانتظار الحرب الشاملة التي تشَنُّ على سوريا بواسطة السّوريين أنفسهم من الطرفين أمراً لا مفرّ منهُ  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق