10‏/03‏/2012

على وجهة السفينة أن تتغير 2

 مما لا شك فيه أنه تصرف شجاع أن يحاول الناس بعد كل ما مورس ضدهم أن يهبوا للتخلص من القيود التي فرضت عليهم ومنعتهم من التحليق في مدارهم الطبيعي، إنه تصرف شجاع ونبيل ويعبر تماماً عن الروح الإنسانية التي لا تعرف الحدود ولا يوقف تدفقها الخوف. كم سيكون شيئاً رائعاً لو ينزل الجميع إلى الشارع ويحتلوه حتى تعود إليهم حقوقهم الطبيعية! وإلا فما الذي يعطي "هذه النخبة الملعونة" أي حق بأن تصادر حرياتنا الشخصية وتسلبنا لقمة العيش لتتحكم بمقاليد الأمور؟  وما الذي – غير صمتنا – يفسح لها المجال بأن تقضي على محاولاتنا في بناء مجتمع إنساني بحق؟ نظرة صغيرة إلى نظم تعليمنا المنهارة والفاسدة وستعرف بأنها إحدى العقبات التي يضعونها بمنهجية لتخريب العقول وتفقيس المزيد من الدجاج المعلف الغير قادر على التفكير، نظرة خاطفة أخرى للصراع الحتمي بين التكنولوجيا والإنسان في مجال العمالة ستجعلك ترى كم أن إنسان هذه الأيام أصبح عبداً كما لم يكن يوماً، كان العبيد فيما مضى يُسكنون ويُطعمون أما اليوم فيأخذون مالاً بالمقابل وهذا المال بالطبع لا يكفي مهما حاول العبد أن يفعل لأن النظام نفسه الذي يوسم هذا العصر مبني أساساً على فكرة استعباده وهي مدروسة بعناية لكي لا تكفيه هذه القطع النقدية مهما فعل، وهذا ينطبق أيضاً على الدول ولذلك ستبقى الحروب والمجاعات والأمراض النفسية والاجتماعية. نظرة سريعة على الطب والمشافي وماذا عسانا نقول في هذا المجال إذا كنت لا تدري إذا قال لك الطبيب يجب عليك أن تقوم بهذا العمل الجراحي أو ذلك إن كان حقاً يجب عمله أو أنه فقط يحاول جني مزيد من الأرباح ليتم ثمن مزرعته الجديدة!
وضع الإنسان في الفترة الأخيرة ملفت للنظر وهو يعيش حياة لا تتوافق أبداً مع ما توصل إليه العلم والتطور التقني الذي حققه في كل المجالات. باستطاعة الإنسان أن يعيش في الجنة لولا هذه "النخبة" التي تضع العصي في دواليب التقدم التكنولوجي وتقوم باستعباد الناس وإشعال الحروب بما يخدم مصالحهم التي لا تنتهي. ما نحتاجه حقاً هو كوكب خال من السياسيين وهذا أهون الأشياء تطبيقاً وإقناعاً فما كان السياسيون يوماً خبراء بالحياة، إنهم أغبياء يمثلون مصالح كثيراً ما يجهلونها، وهم يعلنون الحروب ويقرون المصاريف ويؤخرون الجنس البشري ويمنعونه من التقدم!
عندما يدرك الناس ذلك - وقد بدأوا في الواقع على نطاق ضيق ولكنه قد يتسع قريباً- وينزلوا إلى الشوارع ويعرفوا من هو العدو الحقيقي المبتسم أبداً على صفحات مجلاتهم وجرائدهم، الصانع الأعظم للمنجزات التي يفترض أنها صححت حياتهم، الميسر لهم بحلمه وعفوه الكثير من التسلية والمسلسلات التي لا حصر لها ولا فائدة في عالم يغمره الظلم وتطغى عليه وتسيره المصالح والأرباح! لو يدركوا ذلك وينزلوا إلى الشارع بدلا من أن يجلسوا بغباء ليتنقلوا بين برامج التلفاز المتشابهة لكان العالم قد تغيرحتماً للأفضل. ولكن لا تستطيع أن تلومهم أيضاً فهم جزء من الخطة وجميع ردود أفعالهم متوقعة بل ومبرمجة أصلاً.

وإذا أمعنا التفكير فسنتوصل لإيجاد حلول أخرى غير هذه المؤسسات البالية، سنتوصل إلى حلول حيث ليس هنالك مال يمسك الإنسان من رقبته، لا ولا جيوش ولا حتى مدارس، ولا عمل يستعبد هذه الكائنات الجميلة بأعينها البراقة! سيعمل الإنسان على تشغيل الكثير من الخلايا العصبية التي طال بها الانتظار، وسيصير أخيراً لدينا على هذا الكوكب مجتمع مدني حيث يُحترم الإنسان ورأي الإنسان وكرامة الإنسان ويُعمل على جعله محور كل تقدم، وغاية كل علم، وأساساً لكل تغيير، ونرفض أن تواجه الصدور العارية بالرصاص الحي كالعادة، لقد مللنا وآن الأوان لتعرفوا أن أنظمتكم عفى عليها الزمن، وأنه قد آن الآوان لوجهة هذه السفينة أن تتغير!


*- من مسودة رواية (كان على وشك أن يدرَك)

هناك تعليقان (2):

  1. مقال جميل جداً أخي غسان ننتظر المزيد

    ردحذف
  2. خليل...
    أنا سعيد بمرورك، وهناك المزيد انشالله.

    أهلا بك، وخلينا على تواصل

    ردحذف