13‏/03‏/2012

النمو والتغير وجه ثان للسعادة!



مرور الوقت بالنسبة لي يعتبر إيذاناً بتغييرات جديدة على جميع الصعد، فتطفو على السطح قناعات جديدة وتفقد تلك القناعات القديمة الراسخة رسوخ الوشم استقرارها ليحل محلها الشك. كثيراً ما فكرت أن الإيمان الطفلي أرحم بكثير، إنه أرض متينة للسعادة في الحياة، أو قل للإيمان الذي يساعد الناس على تحقيق هذا الأمان الوهمي الذي اتفق زورا وبهتاناً على تسميته سعادة. فبالرغم من أن ذلك اليوم الذي كنت فيه أؤمن بالأشياء دون صعوبة أصبح مجرد حلم قديم لن يعود  فإنني ما زلت أتلهف للالتقاء بأولئك الناس الذي يميلون في كلامهم وطريقة حياتهم إلى البساطة والروحانية في عالم أغرقته الماديات وجعلت منه جسداً خاوياً لا روح فيه ولا نبض، في عالم تتنازعه الأهواء وتحكمه المصالح الأنانية لثلة من المتمكنين!!

في ما مضى وعندما كنت ألتقي بأولئك "الروحانيين" كنت آخذ الكلام من أفواههم بكامل الثقة وكأنه الصواب المطلق والحق الوحيد، أما اليوم فقد تغيرت كثيراً وأصبحت لا أجد غضاضة في أن أقف بوضوح وصخب لأقول "أنا لا أتفق مع هذي الفكرة حتى ولو اقتنع بها العالم قاطبة"، أو مثلاً "لا يسعني تصديق ذلك حتى ولو ذكر عن لسان مليوني قديس" وعليه فقد صرت مبعثاً للشك في الكثير من المناسبات. كنت قديماً أقرأ بنهم في تلك الكتب الاجتماعية والنفسية والسرية المليئة بالرموز والأشياء الغريبة عن ولادة ذاتية محضة ولكنها مرسومة بأقلام الخلود فلا يبدلها فكر، ولا يعكر صفوها خاطر، فأظن إذ أغوص في عوالمها أن العلم هو قراءة الكتب والاستغراق في علوم الأولين، ولكني بتُّ اليوم أشعر أن تسليمي الأعمى ذلك لم يكن سوى قبول العاجز لعلم فوق طاقته، أو لشيء كان متوسما فيه العلم ولم يكن في كثير من الأحيان علماً بل كان استلاباً أعمى لشخوص بدت أكبر من حجمها الأصلي في عيني صبي صغير كان يتلهف للمعرفة ويبحث عنها حتى في قاع الدنس. وهذا ما يفسر أن الكثيرين والكثيرات من أصدقائي والناس المقربين مني كانوا يقولون بأني "ملحد" ويتداولون ذلك بينهم، وهو ما كان يؤرقني ويزعجني في سني نموي واستقلالي الأولى! كنت أعرف أن هذه الكلمة تنطوي على الكثير من المعاني ومن ضمنها أن  الشخص الذي يسمى "ملحداً" لا يؤمن بوجود قوة فاعلة في هذا الكون، محركة له متحركة به؛ ولطالما شعرت بأن ذلك حيف في قرارة نفسي، صحيح أن الله الذي يتكلم عنه الناس لا يشبه الإله الذي أستشعر وجوده في الغالب ولكن عزائي أن ما ألمسه كان أجدر وأكثر مصداقية من نظرياتهم المختلفة عن شيء لا يستطيعون أنفسهم إعطائي أبسط التفاسير عنه. والآن أرى الأمور بوضوح نسبي وبمنظار آخر فنظرياتهم المقدسة تلك كانت وما زالت مجرد عكازات قد تحتاجها يوماً في رحلتك ولكنك ستكون مجنوناً بلا ريب وأنت تتمسك بعكازيك في حين بإمكانك أن تعدو بسرعة الريح دون حاجتك إليها.
الأمور أغرب مما تبدو عليه فهل هناك من يدري ما الذي يحصل حقاً؟ الأسئلة نفسها تتكرر وتدور في رأسي كل مرة بصياغات جديدة ونكهات مختلفة. هل حقا أن الناس تتجادل كما قال أفلاطون فتختلف على انعكاسات تلك الأشباح على جدران كهوفها المشوهة؟ ولهذا السبب تتقاتل بغباء على معانيها الحقيقة التي لا يعرف أحد منهم عنها شيئاً!! 
الجميل في الأمر والصعب فيه على حد سواء أنهم يقفون عاجزين لحظة انكشاف الحقيقة، التي تخاطبهم كما لو كانوا صبياناً صغاراً أو بنات يربطن ظفيرتين خلف أذنين ورديتين، وبغض النظر عن مراكزهم الاجتماعية أو الدينية... فمنهم من يتنبه وهو يشاهد نفسه تولد من جديد؛ حمل ومخاض وولادة ، وينظر حواليه في كل مرة ليرى الأشياء وكأنه يراها بوضوح للمرة الأولى، مع أن هذا الوضوح قد يكون سراب ووهم بعد يوم أو اثنين إلا أنه حدث مهم في حينه. ومنهم من لا يعطي لكل ذلك بالاً ويصم أذنيه عن نداءات الحياة فيعيش باحثاً عن السعادة التي لن يجدها في  المستقبل ولن يلقاها في شيء بعد الآن.

أين هو إنسان اليوم بكل وحشيته واستغلاله وضحالته وتسيبه من كل هذا؟نأن ن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق