17‏/09‏/2012

أضواء على العصر 4

إنسان اليوم عدواني، أناني، متوحش، متعصب، جاهل، عرقي، طائفي، قصير النظر، متلاعب فيه وسهل الانقياد، ولا يفهم شيئاً عن نفسه ولا عالمه ولا مجتمعه، ومع هذا فهو مدّع كبير أجوف كالطبل! وبنى مجتمعه على هذه الأسس دون إدراك التغيير الذي طرأ على الزمان فأثر على كل ما حوله، ودون أن يدرك أن مقاوم هذا التغيير والمتمسك بالأمس هو المصارع الأزلي للريح الهائجة! لأن حركة التغيير هي الحقيقة الأكثرحدوثاً وصدقاً وثباتاً فيما نعرفه عن هذا الكون الخفي. إنه دائم الحركة، دائم التغيرالحتمي.

لا الدّين (بفهمه الحالي) ولا السيّاسة (بكامل مؤسّساتها المتداعية)استطاعا أن يقدما للإنسان شيئا يسهّل له سبل حياته أو يدفعه باتجاه أحلامه القديمة الأصيلة بالحرية. بل على العكس لطالما كان الدّين عائقاً حقيقياً بوجه التقدم عندما خرج من إطاره الزمني البيئي كشيء حدث في تاريخ الإنسان وأثر وتأثر بالناس الموجودين حينها، وتحوّل إلى أداة قمع تمارس مؤسّساتها الإكراه وتنشر التسليم بالقناعات الثابتة التي من شأنها أن تجعل العقل يتوقف ويصبح آله للحفظ والتخزين وحسب، ونحن نعلم أن الإنسان لا يحتاج للحفظ كحاجته للتفكير النقدي وتحليل ما يرى والشك الدائم والبحث الدائم في سبل تحسين حياته وعالمه وأفكاره. ولذلك لدينا مخطوطات وكتب وكمبيوترات تتميز بذاكرة غير منتهية. بالإضافة لما سبق فإن الفهم الرّاهن للدّين مسؤول إلى حد كبير أيضاً عن الكثير من الحروب اللاإنسانية والمضنية عبر التاريخ القديم والحديث، وليس مستبعداً أن تكون حروب المستقبل ذات صبغة دينية أبداً حيث يتم إعداد الناس للبقاء على نفس المستوى الإدراكي والمعرفي الضحل ويحال دائما بينهم وبين الانفتاح على بعضهم بالكثير من الطرق. فمحطات التلفزة المموَّلة من قبل النخبة المتحكمة لا تتوقف عن بث التحريض والتجييش والتقسيم الطبقي والقومي والدّيني في قلوب المشاهدين المستلبين - وما أكثرهم - وإبقاء المجتمع كما هو يخدم هؤلاء النخب ويجعل الأمور تحت السّيطرة.

سيطِر على أجهزة الإعلام، ورسخ الفكر القومي (دول، أعلام، مونديالات... إلخ)، وشجِّع التطويف (تقوقع كل مجموعة ضمن قطيع طائفي يحدّ من قدراتهم) قسِّم الناس وعلمهم أن لا يسامحوا بعضهم على اختلافاتهم، واستمرّ بنشر الأكاذيب والخدع عن الدّيمقراطية وحقوق الإنسان والعالم الآخر، وحوّل هذه المجتمعات إلى عبيد مسلوبي الإرداة والحرية والتفكير، خربهم واستعبدهم بالمال والمؤسسات القضائية والبوليسية والمدارس، واكسر إرادتهم وعلمهم الخضوع. افعل هذا وسيتبعونك وستبقى ملكاً عليهم، حاكماً أمور حياتهم ممسكاً بكل الثروات مقدسٌ لا يطالك الشك ولا المساءلة. وهذا ينطبق على الأنظمة جميعاً الملكيّ منها والدّيمقراطي والجمهوريّ والشيوعي والاشتراكي.. إلخ. فما كل هذا التنوع السياسي الذي نشهده في أنظمة الحكم إلا مجرّد أقنعة وكذبات تستند على هذا الجهل الجمعي لقطعان من الكائنات البرَّاقة الأعين التائقة للحريّة السَّهلة والآمنة.
 ألم يؤن الأوان لنرى كل هذا الخداع الذي تنطوي عليه هذه القصة نفسها وفي عمق جوهرها؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق