10‏/09‏/2012

على حاجز في سوريا.


في مكان مسيّج بالحدود اسمه سوريا، وعلى حاجزٍ قرب مدينة صغيرة شاحبة، كانوا يقفون. محاصرين بالأكياس والدوايب، والريح حولهم تصفرُ بحذر حاملةً أصواتَ الانفجارات البعيدة.

نظر سامر إلى ساعتهِ (وكانَ جندياً فُرزَ مؤخراً إلى هذا الحاجز). كانت تقترب من التاسعة ليلاً، حرّكَ كتفيه وهو يسوّي حبل الرّوسية الكلاشيكوف التي تثقل كاهلهُ وتسبِّبُ له خدراً يستشعره كجذور صبيرة تمتدُّ في لحم جسده المرهق. على يمينهِ
وعلى بعد ما يقارب الخمس أمتار كان رفيقه (الذي لم يعرف اسمهُ بعد) يقف شاحباً هو الآخر، يتنفس بعمق وينظرُ حوله إلى البيوت المضاءة بأنوارٍ خافتةٍ خجلى.

وبالرغم من أن كل شيء كانَ يبدو طبيعياً حينها إلا أن سامر كان يشعرُ بالخوف يخز أطرافهُ السّفلية، ويرفع نسبة الأدرينالن في دمهِ حتى ليشعرَ بمرارة في حلقه بين الفينة والفينة. أخفى ذلك الشعور في قلبه، ومشى بهدوء وبخطىُ مثقلة ناحية الجندي الذي يشاركه المناوبة. "وين كنت قبل؟" بادره الشاب قبل حتى أن يسلم عليه. توقف عن المشي تلفتَ حوله بحذر وردّ بصوت أعلى من العادة: "كنت بحمص" ثم أردفَ مبرّراً: بس كنت أخدم بمكان هادي.
- وليش نقلوك؟ تابع الجندي تحقيقهُ.
-ما بعرف! مع إنو ما ظل غير شهر ونص بخلص خدمة وبتسرّح.
- بتتسرّح!! وضحك الشاب حتى غارت عيناه بالدموع. ثم قال: لك أنا صرلي متسرّح خمس شهور عملياً, بس احتفظو فيني. ما رح نتسرّح غير لعند ربك يمكن.

افترّت شفاههم عن ابتسامات مكلومة. ثم انحنى سامر وهو يجلب قنينة الكوكاكولا المملوءة بماء الشرب، وقربها من رفيقه وهو يقول "بتشرب؟" فرفع الشاب حاجبيه.

شرب سامر ثم تسمّرت عيناهُ من جديد.

"قتلت حدا خلال هالفترة؟" انزلق السّؤال من على لسانه... وبقي معلقاً في الفضاء.
_________________

في اليوم التالي كان سامر يبحث عن نفسهِ في عيون المارّة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق