05‏/10‏/2012

الحريّة الحمراء...


في ضوء القمر البارد
كنت تحمل بندقيتك المصنوعة في مكان ما
تنتظر إشارةً لاقتحام المكان..

قلبك يخفق بشدة
والنسيم الوقحُ يجتاز الفضاء كنورس
ثم يضربك بجناحه الرّشيق على خدك فتدمع عيناك
يداك المتخشبتان تطبقانِ على البندقية
وكمن يداعبُ محبوبتهُ في أول الليل
كانَ إصبعكَ يتحسّسُ الزّناد بتلذّذ
وعلى لسانك تتردد أغنية قديمة
"وللحريّةِ الحمراءِ بابٌ... بكلِّ يدٍ مضرّجةٍ يُدَقُّ"

تأملتكَ طويلاً
حاولتُ أن أخبركَ عن ألوانٍ أخرى للحرية
وعن أيادٍ "طاهرة" بدل تلك "المضرجة" لفتح أبوابها المغرية
ولكنك رحلت ولم تستمع لي!!
فقد قيل لك مسبقاً أنّ السلاح وحده من يصنع الحرية
وأن الدماء وحدها من يجلب الديمقراطية
وأنت صدقتهم لفرط طيبتك ولصعوبة ما تمر به هذه الأيام
فقد نفذ زيت الحكمة من سراجك وهذا حقك بعد ما رأت عيناك..

في اليوم التالي ازدادَ عدد الشهداء خمسةَ عشرَ إنساناً 
أنتَ وزملاوك الثلاثة وتسع شباب من حفظ النظام 
ورجل وامرأته كانا ماران على ذلك الحاجز ليلتها..

وابتعدت الحرية مرةً أخرى
وربحت مصانع الأسلحة، ومحطات التلفزة مرة أخرى
وتكلموا عنكم في مجلس الأمن...
وكادت ابنتك تفقد عقلها ولكن لم يلاحظها أحد..

وعلى التلفاز صباح اليوم التالي
كان رجل كبير السن يتكلم عن "الحرية الحمراء"
وعن طريق الحرية الذي تعبّدهُ الدماء في سوريا
وكانت امرأة ثلاثينية بثديين بارزين
تتكلم عن تضحيات السوريين الأبطال
وكرم جلالة الملك بتزويد الثوار بالأسحلة النوعية
ثم تكلمت عن تزويد روسيا للجيش النظامي بأسلحة نوعية
ثم استضافت أحدهم... بعد الإعلان
إعلان عن شركة طاقة كبيرة تعمل في مجال البترول
وإعلان آخر عن مَرهَم يقضي على السُّمنة والشحوم الزائدة
وأخر عن شوكولا تذوب في الحلق
ثم تكرر الإعلان الأول عن الشركة النفطية الكبيرة

وعادت المذيعة الشهيّة وضيفها الأصلع
تكلمَ عن عدد الشهداء الذي زادَ عن الخمسة وعشرين ألفاً
وعن الحاجة الماسة للضغط على روسيا
 لتوقف توريد الأسحلة للجيش النظامي حتى يستطيع الجيش الحر الصمود
ثم تكلم عن المناطق العازلة وشكر أصدقاء سوريا
وتكلم في معرض حديثه عن أكثر من مليوني مهجر
وعن ملائكة تقاتل مع الجيش الحر
وعن انشقاقات واسعة في الجيش "الأسدي"
وعن عمليات قريبة مرتقبة بعون الله على كامل أرض سوريا

عشرون رجلاً تسعة منهم من قريتك
والباقون من قرى مجاوة
يتجمعون الأن في مكان ما بأسلحتهم المُربحة
وينوون اقتحام ثلاثة حواجز أخرى ثأراً لك
والجيش يجلب تعزيزات
مدرعتين وعساكر أغلبهم من المجندين الإجباريين
وأهل القرية يجمعون أوراقهم المهمّة وأبناءهم المهمّين
ويهمون بالرحيل إلى أماكن أخرى
ليس فيها حرية حمراء ولا أيادٍ مضرّجة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق