22‏/01‏/2013

العلمانية والإلحاد

أنا لا أعلم كيف يفكر كل العلمانيين، ولكن العلمانية التي أعرفها هي التي أدافع عنها وأصورها على أنها الحل لمشكلة المواطنة في جميع الدول حتى ولو كان عدد سكان هذه الدولة أو تلك من أتباع دين معين (كأن يكونوا جميعاً مسيحيين بالولادة أو شيعة أو سنة بالولادة). ذلك لأن إدارة شؤون المجتمع هي قضية على التقنيين والمهندسين الاجتماعيين والبيئيين والمعماريين والمدنيين الاهتمام بها، والدستور يجب أن يأتي متناغماً مع نتائج وخبرات هؤلاء الذين ذكرتهم وليس من صناعة المؤسسة الدينية التي عملها هو تقريب الإنسان إلى الله وتجهيزه لليوم الآخر، من حيث طبيعة الدين اتجاهاً إنسانياً لمعرفة الله وليس علما اجتماعياً لتطوير المجتمع وبناء الدول الحديثة التي تتعدى مفهوم القبيلة والعشيرة، وتخرج عن الطائفة (ولا تخرج عليها).
 
وهذا لا يعني أيضاً أن رجل الدين ممنوع أن ينص القانون، لأن العلمانية لا تعني أن يعطى الملحد فرصة أكبر من المؤمن وليست مهتمة حتى بالصراع بين الإنسان المؤمن بدين ما والكافر بهذا الدين، ولكنها كالنجار الذي لا يهمه دين صاحب الأخشاب ولا طائفة صاحب المنزل، إنه يصنع الشباببك والأبواب والخزن والديكورات دون أن يفكر بدين الإنسان الذي يصنع له كل هذه الأشياء أو الذي يشتري من عنده الأدوات والمواد الأولية.
هكذا أنظر للعلمانية من حيث هي سعي إنساني وحركة عالمية تعيد للدين دوره المعرفي وتبعده عن دوره الحالي في إدارة قطعان بشرية على طريقة العصا مرة والجزرة مرة مسببة التخلف والتمسك بتحنيط الوقت الذي لا يمكن أن يحنَّط.
 

ليس على المؤسسة الدينية أن تكون سلطة تشريعية أو تنفيذية ولكن تستفيد الدولة من تجربة الدين في صياغة قوانينها وذلك فقط في الأمور التي تفيد المجتمع، وهناك أمور لا تفيد المجتمعات في الأديان جميعاً، وهذه الأشياء لا يجب أن تكون دستوراً، لأن المجتمع حي، المجتمع ليس ميتاً أبداً وهو يتغير ويتطور، وعليه فإن الإسراف في تقديس القوانين الحالية تخلق كركبة لا يمكن تخيلها عندما نتحدث عن المجتمع ومؤسساته كالمدارس والمشافي والمراكز الثقافية ودور السينما والمسارح والفنون وحتى على صعيد زراعة الأرض واستصلاحها وصناعة السيارات والطاقة. الإسراف في تقديس القوانين الحالية تمنع وجود حل جديد تجلبه التكنولوجيا. الفلاح في بلداننا عندما يشتري تركتوراً، وإمام الجامع عندما يخطب في الجامع مستخدماً المايكرو فون، والقسيس الذي يضع على صدره صليباً ،، كل هؤلاء وغيرهم يعملون بعلمانية وهم في الغالب لا يعلمون ذلك. إنهم يستمتعون بنتائج العلمانية التي لا تهتم لدين الإنسان ولا تسألهُ عنه بل تترك له كل الخيارات متاحة ليكون متديناً وتساعده على ذلك أيضاً لأنها غير معنية بل محايدة لموضوع التدين.


وحتى ولو اشتركت هذه العلمانية مع الإلحاد في عدم الاعتراف بمجموعة بشرية تستحق التفضيل على غيرها، فإن الفرق بينها وبين الإلحاد شاسع، حيث الإلحاد هو موقف يتخذه الإنسان تجاه وجود خالق مقدس لهذا الكون يحاسب البشر على أعمالهم ولديه جنة ونار يأخذ الأشخاص إليهما كل بحسب إيمانه به أو عدمه، في حين تهتم العلمانية بالمجتمع بعيداً عن سلطة الكهنوت، وهي بذلك تنحو للأسئلة الأكثر تعلقاً بالإنسان كإنسان، يعني جعل الإنسان محور اهتمامها بدل الغيبيات والتأمل في الله واليوم الآخر ومن هنا يأتي اللبس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق